تركيا هي بلد يعاني من فقدان الذاكرة الجماعي
تصف الروائية التركي أليف شفق في روايتها " بنات حواء الثلاث " شخصيات نسائية ثلاث هي الخاطئة، والمؤمنة والحائرة . وهي تقول عن هذه الرواية : "السؤال الذي أردت معرفة جوابه هو: هل يمكن لنساء مختلفات جداً أن يعشن مثل الأخوات؟".وتضيف قائلة "عندما تعيش النساء منقسمات في ظل ثقافة أبوية، فان الشيء الوحيد الذي يستفيد من هذا الوضع هو النظام الأبوي". تدور أحداث الرواية في وقتنا الحاضر، عندما تحضر بيري (35 عاماً) حفل عشاء في اسطنبول. وتسترجع ذكرياتها التي عاشتها في أكسفورد طوال الليل. تتحدث هذه الرواية عن مواضيع معاصرة مثل الحركة النسوية، والاخلاص الديني والشك العلماني والاضطرابات السياسية. ولدت الكاتبة في فرنسا، حيث كان والدها يدرس في ذلك الوقت، وعاشت في العديد من الأماكن، بما في ذلك إسبانيا والولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، تقسّم وقتها ما بين لندن واسطنبول. وتناقش في هذه المقابلة أهمية ان تكون أصوات النساء مسموعة
* متى جاءتك فكرة كتابة هذه الرواية لأول مرة ؟
- كنت أفكر في موضوع هذه الرواية قبل أن أبدأ بكتابتها . أشياء كثيرة تعاملت معها بشكل مباشر كانت مصدر إلهام لي. إن العالم الذي نعيش فيه عالم متحول جداً. وعندما تعود المجتمعات إلى الوراء وتتعثر في العزلة والاستبداد، فإن المرأة ستخسر الكثير. وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، تخوض عدد من الفتيات الشابات في مناقشات جادة ومهمة ، لأن الانزلاق إلى الوراء يحدث بشكل سريع جداً في العديد من الأماكن، بما في ذلك تركيا، التي أتيت منها. المشكلة هي أننا لا نسمع أصواتهن كثيراً في الأماكن العامة. ما أردت القيام به هو عرض تلك النقاشات التي تجريها النساء في مجالسهن الخاصة، كالنقاشات التي تدور حول قضايا الإيمان، والحياة الجنسية. كنت أرغب في أن تصل أصواتهن إلى الفضاء العام وكتابة رواية تكون شخصياتها المحورية من النساء.
* ما هو الشيء الأكثـر إثارة للدهشة الذي تعلمته أثناء كتابتك هذه الرواية؟
- في البداية كنت أفكر في هذه الفتيات الثلاث في أكسفورد كشخصيات منفصلة تماماً. ولكني بدأت أتصورهن على أنهن يمثلن ثلاث مراحل مختلفة يمكن للشخص نفسه أن يمر بها في حياته؛ حيث يشعر بمزيد من الإيمان ، أو بمزيد من الشك. وعندما أصبحن شخصيات حية ، بدأت أدرك انه بالرغم من خلافاتهن الواضحة، فان باستطاعتهن أن يكن أكثر مرونة، وتساءلت عما إذا كان من الممكن أن يتقربن الى بعضهن البعض.
قضيت أيضاً الكثير من الوقت في أكسفورد أثناء كتابة هذه الرواية . تركيا هي بلد يعاني من فقدان الذاكرة الجماعي، ولكن في أماكن مثل أكسفورد هناك تراكم واستمرارية في المعرفة. فمثلاً توجد قائمة بالمانحين الذين دعموا المكتبة هناك منذ القرن الثالث عشر. ليس هناك شعور مماثل بالاستمرارية كهذا في تركيا. وكانت فكرة مقارنة الذاكرة مع فقدان الذاكرة فكرة مثيرة للاهتمام بالنسبة لي اثناء كتابتي الرواية.
* بأي طريقة اصبحت هذه الرواية تختلف عن تلك التي شرعت في كتابتها؟
- هناك إسلوبان مختلفان في كتابة الرواية. الأول هو ما أدعوه بالاسلوب الأبوي التقليدي، عندما يجعل الروائي من نفسه قيّما على النص ويعرف ماذا ستفعل كل شخصية لم أشعر أبداً انني قريبة من هذا الاسلوب. أنا أحب الاسلوب الثاني، الذي تعتمد أكثر قليلا على الحدس.فأنت لا تعرف بالضبط الى أين تسير القصة ، أو ماذا ستفعل الشخصيات ربما إلا بعد أن تكتب 15 صفحة من الرواية .
جميع الفتيات الثلاث في هذه الرواية يحضرن ندوة عن الله تتحدث فيها شخصية تدعى أستاذ أزور. أزور لديه عقل غريب، وهو يريد تخطي الحدود المعرفية السائدة. عندما بدأت الكتابة كان يمثل بالنسبة لي لغزاً كبيراً. لم أكن أعرف الى أين سأذهب معه. يسألني الناس دائماً أي واحدة من الفتيات الثلاث يمثلني أكثر، ولكني أعتقد أحياناً انني أحب أن إختفي ضمن شخصياتي الذكورية.
* من هو الشخص المبدع (من غير الكتاب) الذي أثر عليك وعلى عملك؟
- كنت في مدريد فتاة شابة ومراهقة. لن أنسى أبداً حينما ذهبت إلى متحف برادو للمرة الأولى ورأيت لوحات غويا. كان لها تأثير كبير عليّ. كانت هناك مراحل في حياة غويا، ولكني في ذلك الوقت لم أكن أعرف التسلسل الزمني لتلك الأعمال. العديد منها كانت زاهية بالالوان وتنبض بالحياة وتعكس حياة الشارع في القرن الثامن عشر. والبعض الآخر كان مليئا بالحزن والعنف والحرب؛ والبعض الآخر مليء بالجنون. ما فعلته في ذهني المراهق هو انني كنت أنظر إلى كل تلك اللوحات سوية - بكل تعقيداتها ، وحدود عقل الرسام ورؤيته.
بعد سنوات، عندما اكتشفت أعمال الراقصة الالمانية بينا باوش، أحسست بشعور مماثل حول تعقيد عقل الفنانين. بالنسبة لي كان هذا مهم جدا. خصوصاً في بلد مثل تركيا، فبدأت أذهب إلى الحديث في المدارس، وأراقب دائما الفتيات الصغيرات – في عمر سبعة، وثمانية،و تسعة أعوام –كان من المدهش ما كنت أراه من حجم الجرأة والخيال لديهن . فكنت اذا سألتهن ، "من تريد أن تكون شاعرة أو كاتبة في يوم ما؟"فان الكثير من الأيدي ترتفع. الفتيات مثقفات مثل الأولاد، وربما أكثر منهم. ولكن بحلول سن البلوغ، يتغير كل شيء. ليست هناك واحدة تريد أن تكون كاتبة. ولا أن تهتم بالفن. وإذا كن كذلك ، فلا يمكنهن الافصاح عن ذلك. المجتمع يقتل هذا الإبداع، وتتعلم النساء أن يصبحن خجولات ومقيدات ، ويشعرن بقلق بالغ إزاء ما يمكن ان يقوله الآخرون عنهن ،عندما نظرت إلى أشخاص مثل غويا و بينا باوش، كانت الرسالة التي حصلت عليها: فقط إفعل ما أنت تتحمس اليه . لا تفكر في ما سيقوله الآخرون، أو كيف سيستقبلون عملك ..
* اذا أردت إقناع شخص ما بقراءة "الرواية " في 50 كلمة أو أقل فماذا تقولين؟
- نحن نعيش في عصر شديد الازدواجية ،نحتاج الى معرفة الفروق الدقيقة بين الإيمان والشك. نحن بحاجة إلى جرعة من الشك وجرعة من الإيمان، ليتحدى بعضهما البعض. وتحاول هذه الرواية الحديث عن الإيمان والشك بطريقة مختلفة تماما وتبتعد عن الازدواجية .
عن: نيويورك تايمز