نشرت المجلة العلمية لجامعة بطرسبورغ الروسية بحثين للمستعربة الروسية الدكتورة موكروشينا عن دور المرأة العربية ومساهمتها الكبيرة في عملية الإبداع الادبي العربي , وقد اختارت المستعربة موكروشينا الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة إنموذجاً في مجال الشعر والروائية العراقية لطفية الدليمي إنموذجا في مجال النثـر.
الدكتورة أماليا أناتوليفنا موكروشينا مستعربة روسيّة , وهي في الوقت الحاضر تدريسية في قسم - (نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وأفريقيا) في الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ ( لينينغراد سابقاً ) , وتساهم – بنشاط وحيوية – في أعمال المؤتمرات العلمية للمستعربين الروس , والتي تجري عادة في مختلف المدن الروسية وجامعاتها , وقد التقيتها في المؤتمر الثاني عشر للمستعربين في معهد الاستشراق بموسكو ( انظر مقالتنا – حول مؤتمر المستعربين في معهد الاستشراق بموسكو ) , حيث ألقت بحثاً متميّزاً حول مسرحية مصطفى محمود ( الانسان والظل ) , والتي اختارتها هي بنفسها و قامت بترجمتها من اللغة العربية الى الروسية ونشرتها في بطرسبورغ بدعم من المركز الثقافي الروسي – العربي في تلك المدينة. تحدثّنا أثناء هذا اللقاء السريع عن طبيعة نشاطاتها العلمية في مجال حركة الاستعراب الروسية , وكان العراق طبعاً حاضراً في تلك الاحاديث , وعلمت منها إنها قد نشرت بحثين حول الأدب العراقي الحديث في مجلة ( فيسنك بيتربورسكوفو اونيفرسيتيتا ) ( أخبار جامعة بطرسبورغ ) , وهي مجلة متخصصة بنشر البحوث العلمية للتدريسيين الروس في تلك الجامعة وكذلك في الجامعات الروسية الأخرى , وأثار هذا الموضوع اهتمامي الشديد طبعا, إذ إنه يقع في صلب متابعاتي للعلاقات الروسية – العراقية في مجال الثقافة بشكل عام والادب بشكل خاص , وحاولت التوقف عند هذا الموضوع و الاستفسار منها حول ذلك بشكل أوسع , لكن طبيعة ذلك اللقاء السريع في أروقة المؤتمر المذكور لم تسمح لنا بالطبع أن نتحدث بالتفصيل عن هذين البحثين , فطلبت منها أن ترسلهما لي للاطلاع عليهما إذا كان هذا ممكناً , وقد نفّذت موكروشينا وعدها فعلاً , واستلمت البحثين بالبريد الالكتروني كما اتفقنا, ووجدت إنهما يستحقان أن نعرضهما للقارئ العربي حتماً لكي يطلع عليها , أولاً , لأن هذا الشيء بحد ذاته يعد حدثاً مهماً وبارزاً وغير اعتيادي بتاتاً في مسيرة العلاقات الفكرية ( إن صحّ التعبير ) بين روسيا والعراق و التي جاءت بمبادرة من الجانب الروسي بالذات ودون أي تنسيق أو دعم أو تخطيط من الجانب العراقي , وثانياً , لأن الكتابة عن المبدعين العراقيين من قبل باحثين أجانب, ومن خارج العراق , و نشرها في مجلة علمية خاصة بالبحوث والدراسات في جامعة مهمة وعتيدة مثل جامعة بطرسبورغ , كل ذلك يعني الكثير ويمتلك أهمية استثنائية جداً, خصوصاً إذا كان هؤلاء المبدعون من (العيار الثقيل!!!) مثل لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي , (رغم انهما يعتبران طبعا رمزا للرشاقة والجمال في أدبنا الحديث).
ترسم المستشرقة موكروشينا في بحثيها صورة متكاملة عن لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي , حيث تبدأ بالحديث عن ميلادهما ودراستهما الجامعية , ثم تتوقف عند أبرز النتاجات الأدبية لهما , وتعرض مواقفهما الفكرية , وتتوقف عند مكانتهما الآن في عالم الأدب المعاصر عراقياً وعربياً....
في البحث الذي تناول لميعة عباس عمارة , والذي جاء بست صفحات من المجلة المذكورة , توجد ترجمات لعدة قصائد من شعرها , وأول تلك القصائد هي قصيدة - ( عراقية ) الشهيرة , هذه القصيدة الغريبة للقارئ الاجنبي بلا شك بمضمونها المعروف وبشكلها الفني المتميّز , إذ انها مكتوبة على شكل حوار مباشر بين الشاعرة مع رجل , حيث ترفض كل ما يقترحه عليها , والسبب لأنها ( عراقية!) , وهذه القصيدة مثيرة للقارئ الاجنبي بلا شك , وهناك أربع قصائد أخرى مترجمة في ذلك البحث , وهذه الترجمات تظهر للمرة الأولى بالروسية , وهي تكمل طبعاً الصورة المتكاملة للشاعرة أمام القارئ الروسي , وقد اخبرتني المستشرقة موكروشينا إنها حاولت الاحتفاظ بتلك الأجواء الشعرية عند الترجمة , وإن ذلك لم يكن سهلاً بتاتاً, فقلت لها إنني أترجم الشعر أيضاً على مدى أكثر من أربعين سنة , وبالتالي فإنني أتفهم ما كانت تعانيه أثناء ترجمتها لشعر لميعة عباس عمارة.
أما البحث الخاص بلطفية الدليمي فقد جاء بسبع صفحات في المجلة المذكورة , وتناول أيضاً سيرة حياة لطفية الدليمي وبداية نشاطاتها الابداعية في مجال القصة والرواية , وتحدثت عن مكانتها المرموقة في هذا العالم الابداعي , وتوقفت بالتفصيل عند روايتها – ( سيدات زحل ) , وأشارت الى الطبعات الثلاث لهذه الرواية باعتبارها ظاهرة متميّزة في مسيرة الادب بشكل عام في العراق , وإن ذلك يعد نجاحاً باهراً لهذه الروائية , وتأسف الباحثة لأن القارئ الروسي لا يعرف إبداعها , إذ لم يقدمها المترجمون الروس الى هذا القارئ , ما عدا قصة لها ضمن كتاب ( لؤلؤة الشرق ) الذي ظهر عام 2015 في بطرسبورغ ( انظر مقالتنا بعنوان – النثر العراقي المعاصر باللغة الروسية ), وان ذلك لا يمكن بتاتاً ان يرسم صورة متكاملة لمكانتها الابداعية في الأدب المعاصر عراقياً وعربياً .
إن العمل العلمي الذي قدمته المستشرقة موكروشينا في بحثيها عن لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي يعد كلمة جديدة في مسيرة الدراسات الروسية عن الأدب المعاصر في العراق , وستدخل حتماً ضمن البيبلوغرافيا الروسية حول الأدباء العراقيين ومكانتهم في تاريخ دراسة الادب العربي المعاصر في روسيا .
لنصفق للمستشرقة الروسية أماليا أناتوليفنا موكروشينا ( وهذا أضعف الايمان ) تعبيراً عن شكرنا لها لتعريف القارئ الروسي بأدبنا المعاصر وأعلامه , وهو الشيء الذي يجب أن تقوم به مؤسساتنا الثقافية طبعاً , ولكن..... .