أصدر الدكتورفاهم طعمة أحمد حديثاً كتابه النقدي الأول( النقد القصصي في العراق من المقالية الى المنهجية-دراسة في منجز عبد الإله أحمد) ,وكنت قد أعددت مراجعة موسعة للكتاب ستنشر لاحقاً في مجلة متخصصة ,لكني أردت هنا الحوار مع مصطلح ابتدعه الناقد الكبير عبد الإله أحمد هو مصطلح (جيل الوسط الضائع ) وربط الناقد الشاب طعمة أحمد هذا المصطلح بتجربة (جماعة الوقت الضائع),حيث عدها الدكتور عبد الإله والدكتورطعمة أحمد امتداداً لها ,وهو أمر لا يتفق والتجربة الخاصة بجماعة الوقت الضائع التي نشأت في مرحلة سابقة وخلال الحرب العالمية الثانية متكونة من الإخوة سليم :نزار وجواد,وعدنان رؤوف (الأول وهو غير د.عدنان رؤوف صاحب مجموعة الشخص الثاني ) وخلدون الحصري وبلند الحيدري وجميل حمودي ثم حسين مردان .
ويشير الباحث الدكتور فاهم طعمة أحمد في دراسته المهمة عن الناقد الراحل ,انه قد ابتدع مصطلحات لا علاقة لها بالمصطلحات النقدية العامة مثل :الاتجاه النجفي- القصة الساذجة- الاتجاه الفرداني ..ألخ
ولابد لي هنا وأنا واحد ممن طالتهم تجربة الناقد الكبير عبد الإله أحمد عند دراسته ( الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية ) حيث وضع قصصي القليلة المنشورة بين 1954-1960 بين مجموعة (جيل الوسط الضائع ) مجسداً في تجارب : سافرة جميل حافظ –نزار عباس –غازي العبادي – خضير عبد الأمير-يحيى عبد المجيد (جيان )-وسواهم ,إذ لابدلي أن أشير أن هذا الموضوع بحث غير مرة,ولم يتفق أحد من النقاد مع الدكتورأحمد فيما طرحه من أن هذه المجموعة من القصاصين ( الشبان أيامها ) لم يستطيعوا أن يختطوا لهم طريقاً محدداً بعد عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر و عدا تجربة لنزار عباس واخرى لجيان .
ولابد من القول هنا إن هؤلاء الشبان (أيامها) لم يكن يضيرهم التأثر بتجارب الجيل الأسبق,,إن بعضهم قد أختط طريقه بنجاح مثل غازي ونزار وخضير ومحمد كامل عارف في مجال الرواية والقصة القصيرة ,فيما وجدت شخصياً تجربتي النقدية هي الأكثر تمثيلاً لي .
الى هنا والأمر يستحق النقاش بهدوء ,لكن الأمر الذي يثير الاستغراب والسخط النقدي أن تربط تجربة هؤلاء (وقد اختارهم الناقد الراحل عشوائياً كما نحسب من عشرات القصاصين من جيلهم) بتجربة مجموعة أخرى سبقتهم بسنوات هي جماعة (الوقت الضائع ) وان يجري الحديث عن المجموعتين كما لو أن أحداهما تكمل الأخرى ,والفرق شاسع بين المرحلتين والتسميتين .
أول أمر أن تسمية(جيل الوسط الضائع ) تسمية لم يتفق أحد من النقاد مع عبد الإله أحمد في تبنيها أو التأكيد عليها ,والأمر الثاني أن ( جماعة الوقت الضائع ) تشكل تجربة فريدة كشفت عنها في محاضرة موسعة لي في اتحاد الادباء قبل سنوات ونشرت أيامها في الأقلام ,وكنت قد أدرجت حواراً لي مع أحد رواد الجماعة وهو القاص الصديق نزار سليم في كتابي النقدي الثالث (رحلة مع القصة العراقية)عام 1980 وأنا أدرس تجربته القصصية والتي بدأتها بدراسة مجموعته (رغم كل شيء ) في كتابي النقدي الثاني ( الوجه الثالث للمرآة ) عام 1973 .
تزعّم جواد سليم لقاءات جماعة الوقت الضائع في بيته أو في مقهى (الواق واق ) في ساحة عنتر وكان الحوار يدور حول التجارب الجديدة في القصة العالمية وفي تكعيبية بيكاسو وعبقرية رودان وفي قراءات لنصوص حديثة ,حيث أصدرت الجماعة نشرة (الوقت الضائع ) من عدد واحد عام 1953
,وقد أصدرت الجماعة المجموعة القصصية الاولى لنزار (أشياء تافهة وقصص أخرى ) والمجموعة الشعرية الاولى لبلند الحيدري (خفقة الطين ) ,وكان هَم الجماعة البحث عن التجديد في الأدب والفن بعيداًعن التوجهات السياسية بعامة ,ومع ذلك طالتها مراقبة شرطة التحقيقات الجنائية (الأمن العامة بعد هذا ) فأغلقت المقهى وصارت اجتماعاتهم الدورية في بيوتهم أو المقهى السويسري أو سواه .
أما نحن ممن (منحنا) الفقيد أحمد تسمية (جيل الوسط) فقد كنا نلتقي معه ومع غيره من طلبة الكليات الشباب في مقهى البلدية أضافة لموفق خضر ومحمد عصفور وأسعد الخفاجي وسامي حنا وسامي مهدي وسامي الاحمدي وسواهم كثير .
لم يكن تجمعنا سوى العمل على كتابة النص القصصي الجيد ,على اختلاف مستوياتنا الادائية قبيل (حركة ) 14ىتموز وبعدها ولمقهى البلدية عالمها المتنوع الخاص الذي يستحق التدوين ,ففيها انطلقت التجارب الجديدة في أدب القصة التجريبية وفيها وضعت ملامح البيان الشعري وذاك موضوع آخر لا يتعلق بالأمر الخاص بالتفريق بين التجربتين القصصيتين.
النقد القصصي في العراق بين جيلي "الوقت الضائع" و"الوسط الضائع"

نشر في: 31 يناير, 2018: 12:01 ص