لاحظت في الأونة الأخيرة أن عدداً من المخرجين المسرحيين الجدد في بلدنا وفي البلدان الأخرى تنقصهم الثقافة العامة والثقافة الفنية ويعتمدون في عملهم الأخراجي بالدرجة الأولى على مخيلتهم ومعرفتهم المبتسرة التي حصلوا عليها من خلال عملهم مع مخرجين آخرين أو من خلال قراءاتهم القليلة.
صحيح أن للموهبة والخيال الواسع اهميتهما في عملية الأخراج المسرحي إلا أن التزود بالمعرفة العامة وبالمعرفة الخاصة اهميتها الأعظم. وصحيح أيضاً أن هناك عدداً من الكتب المختصة في الأخراج المسرحي قد وصلتنا مترجمة عن الانكليزية وعن الروسية إلا أن هناك عدداً أكبر لم يصل إلينا لحد الآن وإن هناك عدداً آخر قد وصلنا إلا أن العديد من المخرجين الجدد لم يطلعوا عليها أو لم يدرسوها دراسة وافية. وهنا سأتعرض إلى أربعة من تلك الكتب التي أراها ضرورية ليتعلم من الأخراج المسرحي وحرفياته.
أول الكتب الأربعة هو (العناصر الاساسية لأخراج المسرحية) للمنّظر الكبير (الكساندر دين) والذي ترجمته بنفسي وترجمته أحدى الاكاديميات المصريات بعنوان (أسس الأخراج المسرحي) واعتقد أن أي مخرج لم يقرأ الكتاب لا يمكن أن يكون مقتدراً بما فيه الكفاية. ويركز الكتاب في عناصر الإخراج الخمسة (التكوين، والتفسير الصوري، والحركة، والايقاع، والتعبير الصامت) على الجانب البصري في العرض المسرحي ويقدم لنا (دين) في كتابه تفاصيل وتمارين عن كل عنصر من تلك العناصر. ومن تلك التفاصيل ما يتعلق بالتوازن وبالتتابع وبالتأكيد وبالتنويع.
الكتاب الثاني المهم في تعليم حرفية الأخراج المسرحي هو (المخرج فنان، الأخراج المسرحي المعاصر) لمؤلفيه (أر. أج. أونيل) و(أن. أم. بورتر) والذي ترجمته هو الآخر بنفسي وصدر عن (مكتب الفتح) ببغداد. وفي هذا الكتاب يتطرق المؤلفان إلى أحدى عشرة مهمة يقوم بها المخرج المسرحي في انتاج العرض المسرحي، وهي على التوالي: 1) أن يكون ممسرحاً، أي أن يكون على معرفة بحرفيات العمل المسرحي وتقنياته. 2) أن يكون ناقداً، أي أن يكون قادراً على تقييم النص المسرحي ومدى صلاحيته للعرض وللتأثير في الجمهور. 3) أن يكون محللاً، أي أن يكون قادراً على تحليل معاني النص المسرحي الظاهرة والخفية واكتشاف دلالات العناصر السمعية والمرئية والحركية. (4) أن يكون مفسِراً لما حلل بواسطة أرواق المسرحية وهي الممثل والزي والمنظر والاضاءة والمؤثرات الأخرى. (5) أن يكون مؤرخاً، أي أن يكون عارفاً بتاريخ الأمم وحضاراتها بصورة عامة حيث يحتاج تلك المعرفة عندما يتصدى لإخراج مسرحية تاريخية. (6) أن يكون مصمماً، أي أن يكون على معرفة بعناصر التصميم للمنظر وللزي وللأضاءة ومتطلباتها وحرفياتها. (7) أن يكون ممثلاً، أي أن يتحلى بموهبة المحاكاة وتبني أبعاد الشخصيات الدرامية ويكون عارفاً بأساليب التمثيل المختلفة ونظرياتها. (8) أن يكون مدرباً، أي أن يمتلك القدرة على توجيه الممثلين في مجالات الأداء الصوتي والجسماني ووسائل التعبير عن الأفكار والمشاعر. (9) أن يكون منظِماً، أي له القدرة على تنظيم طاقم العمل المسرحي وواجبات كل فرد فيه بحيث يتعاون كل منهم في دعم رؤيته. (10) أن يكون متفرجاً، أي أن يضع نفسه في موقع المتفرج وينظر إلى عمله على وفق المسافة الجمالية لكي يتفادى الوقوع في الأخطاء. (11) أن يكون مديراً، أن يكون قادراً على إدارة العمل المسرحي من بدايته حتى نهايته، أي من اختيار النص والممثلين والمصممين والبناية، الى التمارين وتنظيمها والدعاية للعمل والترويج له وإدارة أنتاجه.
الكتاب الثالث الذي اقترح على المخرجين دراسته فهو المعنون (الأخراج المسرحي) لمؤلفه (هتج نيلمز) ومترجمه (امين سلامة) والصادر عن (مكتبة الانجلو المصرية) فيحتوي الموضوعات التالية:
(1) التنظيم ويقصد به توزيع مهام العمل المسرحي ابتداءً من إدارة الانتاج ومروراً بإدارة المسرح وانتهاءً بالعرض المسرحي. (2) المسرح، ويقصد به مكان التمثيل والعرض ومكوناته ومتطلباته وجغرافيته. (3) النص ويقصد به كيفية اختيار النص المسرحي الصالح للعرض واعداده للعمل (4) ترجمة المسرحية ويقصد بها إبراز القيم العقلية والعاطفية والجمالية الصرفة وكيفية اكتشافها والتأكيد عليها وما يتعلق بالفكرة الرئيسية للمسرحية. (5) المبادئ والوسائل ويقصد بها – التنوع والابتكار والدوافع والتسويق. (6) توزيع الأدوار ويقصد به كيفية اختيار الممثلين على وفق تناسبهم مع الشخصيات الدرامية و(التشكيلات ويقصد به خلق التكوينات المعبرة على وفق مناطق المسرح وأهميتها وعلى وفق مبدأ التأكيد على المهم والأهم. (7) الحركة ويقصد بها حركة الممثلين وأنواعها واشكالها وقيمها وتسري على الايماءة والشغل المسرحي الذي يخلق الصفات الحياتية في العرض المسرحي (8) الالقاء ويقصد به تلفظ الكلمات واظهار معانيها ما يتعلق بمخارج الحروف وتنغيم الجمل وإيقاعها وتنويعاته وعلاقة ذلك بالمعنى. (9) خلق الشخصية وتحويل صفات الممثل إلى صفاتها. (10) الاداء في الكوميديا. وتقنيات الإضحاك. (11) تصميم المنظر ووظيفته وقيّمه وكيفية بناءه وتركيبه ورسمه وتكوينه. (12) الملحقات – الاكسسوار وانواعه. (13) الأزياء وعلاقتها بالشخصية الدرامية وأنواعها. (14) الماكياج وعلاقته بالشخصية وعلاقة ألوانه بألوان الأضاءة. (15) الأضاءة وأنواعها واجهزتها ووظائفها. (16) الخطة الأخراجية وكيفية تنفيذها والتمارين وتطورهما.
الكتاب الرابع الذي أنصح بدراسة محتوياته بتمعن فهو (الأخراج في مسرح ما بعد الحداثة) لمؤلفه (جون وايتمور) والذي هو الآخر قمت بترجمته وصدرت الترجمة عن دار المصادر ببغداد. وتكمن أهمية هذا الكتاب المتخصص في تعرضه لتشكيل الدلالات في العرض المسرحي وكيفية استخدام المخرج لعلم الدلالة ونظم العلاقة المسرحية البصرية والسمعية والحركية. ويتعرض الكتاب إلى أعمال أبرز مخرجي مسرح ما بعد الحداثة أمثال (روبرت ويلسون) و(ريجارد فورمان) و(مارتا كلارك) و(بيتر بروك) ويتطرق الكتاب إلى النظم الدلالية لدى الجمهور ولدى الممثل اضافة إلى النظم البصرية والسمعية المختلفة.
هناك عدد آخر من الكتب المتخصصة في فن الأخرج لمؤلفين عرب وعراقيين وأخرى لمؤلفين أجانب ولكن لم يصلنا من هذه الأخرى ترجمات وأذكر منها كتاب (فن انتاج المسرحية) لمؤلفه (جون دولمان) وتكمن أهميته في تعرضه لمبدأ التعاطف ومبدأ المسافة الجمالية في الفن الجميل عموماً وفي الفن المسرحي بوجه خاص. أما موضوعاته الأخرى فلا تختلف عن تلك المذكورة في الكتب المشار إليها سلفاً. وهناك كتاب بعنوان (مسرح جديد لمسرح قديم) لمؤلفه (موردخاي كوريليك) وفيه يذكر مؤلفه إن الكثير من تقنيات الأخراج المسرحي في المسرح الجديد تقتبس من تقنيات المسرح القديم. ويتعرض إلى نوعين من الانتاج المسرحي هما الأنتاج الايهامي الذي تقترب عناصره من الواقع والانتاج اللاايهامي الذي يعتمد على مبدأ (التمسرح) ويبتعد عن مبدأ الأيهام بالواقع. وهناك كتاب مهم بعنوان (الأبداع المسرحي) لمؤلفه (اوغست سنتاوب) الذي يتعرض فيه إلى أوجه ثلاث للعرض المسرحي هي (المسرح البصري) الذي يشمل كل ما يرى في الصورة المسرحية، و(المسرح السمعي) الذي يشمل كل ما يُسمع في العرض المسرحي : و(المسرح الحركي) الذي يشمل كل ما يتحرك من العرض المسرحي – الممثل والمنظر والاضاءة. واشير أيضأً إلى كتاب بعنوان (فن وحرفة الانتاج المسرحي) لمؤلفه (بيرنارد هيوبت) ويتعرض المؤلف فيه إلى أنواع المسرحيات من الناحية الجمالية وأنواعها من الناحية الأدبية وأنواعها من الناحية البنائية وكيفية معالجة كل نوع إخراجياً. وأخيراً وليس آخراً هناك كتاب بعنوان (الأخراج المسرحي) لمؤلفيه (ديفيد سيفرز) و(هاري ستيفر) و(ستانلي كاهان)، ففي الفصلين الأول والثاني من الكتاب يتعرض المؤلفون إلى ظروف الانتاج المسرحي وتحديات الأخراج وكيفية اختيار النص المسرحي. ويكرس الفصل الثالث لموضوعة تفسير المخرج للنص المسرحي ويكرس الفصل الرابع للوجه البصري في العرض المسرحي. ويتعرض الفصل الخامس إلى الحركة على المسرح وغرضها وأنواعها، ويتعرض الفصل السادس من الكتاب إلى تقنيات الإخراج في المسارح الأخرى غير مسرح العلبة، ويتعرض الفصل السابع إلى استخدام الصوت في العرض المسرحي، ويتعرض الفصل الثامن إلى التشخيص ، أي صفات الشخصية وابعادها واهدافها وفي الفصل التاسع يتعرض المؤلفون إلى الأيقاع وتصاعده نحو الذروة. وفي الفصل العاشر والأخير يشرح المؤلفون تفاصيل اختيار الممثلين وإجراءات التمارين. ويبدو لي أن المؤلفين قد اعتمدوا كثيراً على كتاب الكساندر دين المشهور ومن هذا الاستعراض لعدد من الكتب المتخصصة في الأخراج المسرحي أبغي تذكير المخرجين المسرحيين ومن أية مرتبة كانوا ومن أي جيل بأن التزود بالمعرفة الفنية والحرفية هي التي تؤهلهم لتصدي عملية وفن الأخراج المسرحي وتساعدهم على تحقيق النجاح في عملهم وإن الاكتفاء بالموهبة والرغبة الذاتية لا يساعدانهم في قيادة فريق العمل المسرحي نحو تقديم ما هو أفضل.