حسقيل قوجمان* . ان مأساة هذا الفنان الذي كان صوتا مدويا بتمثيل العراق في ارجاء العالم هي مأساة اخرى من المآسي التي جلبتها "ديمقراطية" الولايات المتحدة الاميركية بعدوانها قبل وبعد سقوط عميلها الطاغية صدام حسين. تلك المآسي التي طالت الملايين من ضحايا الشعب العراقي في الحروب وفي المقاطعة وفي قنابل اليورانيوم المنضب والفوسفور الابيض
وغيرها من اسلحة الدمار الشامل. المآسي التي طالت الملايين من اطفال العراق ومن سكان العراق والملايين من المهجرين داخل بلادهم والملايين من المهجرين خارج بلادهم وطالت الالاف من علماء وعباقرة الشعب العراقي ودمرت البنى التحتية العراقية واضاعت الاثار العراقية والمكاتب العراقية والصناعة العراقية والزراعة العراقية. ان مأساة وفاة سلمان شكر بهذه الطريقة القاسية البربرية مأساة اضافية الى هذه المآسي ولن تكون المأساة الاخيرة.سمعت عن سلمان شكر وبراعته الفنية في عزف العود ودراسته على يد الفنان العالمي محيي الدين حيدر من ابن عمه عزيز الحاج في سجن نقرة السلمان. والتقيت الفنان سلمان شكر مرة واحدة في بغداد بعد ثورة تموز في بيت عمه والد عزيز الحاج في الزيارة الوحيدة لي في هذا البيت. كانت زيارة سلمان شكر لبيت عمه زيارة عائلية ولم يعزف تلك الليلة ولكن توفرت لي الفرصة لحديث ممتع معه في تلك الزيارة.واثناء تتبعي للموسيقى العراقية والعمل على كتابة رسالة الماجستير التي كتبتها عنها اطلعت على بعض المعلومات عن طلاب الشريف محيي الدين ومنهم وفي مقدمتهم سلمان شكر وكتبت عن ذلك في رسالتي. ولم تتح لي مقابلة سلمان شكر والتعرف عليه بعمق الا اثناء وجوده في بريطانيا. كان سلمان شكر يعمل على بحوثه في جامعة درم وهي بعيدة عن لندن ولكنه في تلك الاثناء اقام حفلة في لندن فكان لي شرف حضورها بدون ان تتاح لي فرصة التحدث اليه في تلك المناسبة. وحين انتقل الى السكنى في لندن التي دامت عدة سنوات تكونت لنا صداقة حميمة بحيث كنا نلتقي وحدنا مرتين في الاسبوع على الاقل اما في بيتي او حيث يستأجر غرفة ليسكن فيها. وكانت هذه اللقاءات مدرسة ناقشنا فيها كل ما يتعلق بالموسيقى وكان يرافق كلامه بالعزف على عوده فنقضي ساعات ننسى فيها العالم ونعيش في عالم فني ننعم فيه خلال هذه الساعات.اضافة الى لقاءاتنا المنفردة كنا نلتقي في مناسبات مع مجموعة من الاصدقاء لنقضي سهرات ممتعة مرفقة بالعزف والغناء والاحاديث الشائقة. كانت علاقتي بالفنان سلمان شكر في هذه السنوات فترات ليست من العمر.كان سلمان شكر من اوائل طلاب الشريف محيي الدين ومن ابرز طلابه. وميزة سلمان شكر هي انه واظب على اسلوب محيي الدين في العزف وفي التلحين الموسيقي ولم يحد عنه لذلك كان عازفا منفردا طيلة حياته الموسيقية كما كان معلمه محيي الدين. كان سلمان شكر يحب معلمه محيي الدين حبا عظيما الى درجة انه اطلق على ابنه اسم الشريف وبقي الى اخر يوم عرفته يعزف كل مؤلفات محيي الدين بالبراعة التي تميز بها الفنان العالمي محي الدين حيدر. وكانت مؤلفات سلمان شكر الموسيقية على نفس المنوال بحيث لا يمكن احيانا تمييز موسيقى محيي الدين عن موسيقى سلمان شكر. كان سلمان شكر سفيرا فنيا للعراق اشترك في عشرات المؤتمرات والمناسبات الموسقية في ارجاء العالم ونال التقدير في هذه المؤتمرات كفنان من الدرجة الاولى ورفع اسم العراق في المجال الفني بعزفه وبتآليفه الموسيقية الرائعة. كان لسلمان شكر وسائر طلاب الشريف محيي الدين فضل على اسلوب عزف العود في العراق بحيث انه تميز عن سائر البلدان العربية. واكبر برهان على ذلك ان النطاق الفني في مصر التي كانت الرائدة في عزف العود وفي الموسيقى عموما وجد من المناسب ان يقيم للفنان العراقي نصير شمة مدرسة خاصة تطورت الى انشاء فروع في بلدان عربية عديدة واستطاع هذا الفنان الكبير ان يدرب ويعلم العشرات من العازفين البارعين على الة العود بالاسلوب الذي وضعه وبرع فيه الشريف محيي الدين حيدر. كانت للفنان سلمان شكر بحوث علمية واسعة في المجال الموسيقي وكان يعمل على تحقيق عمل كبير من اعمال الموسيقيين في العصر العباسي بذل عليه الكثير من جهوده ولا ادري ان كان قد استطاع نشر مؤلفه بهذا الخصوص واتمنى ان يقوم بعض معارفه بمهمة البحث عن هذا البحث العظيم وربما نشره. وفي خلال بحوثه هذه نجح في تحقيق بعض القطع الموسيقية من هذه المؤلفات العباسية كان يعزفها في المناسبات والحفلات التي يقيمها.احد الانجازات العظيمة التي حققها سلمان شكر هو عزفه لكونشرتو العود والاوركسترا التي ساعده في وضعها استاذه في جامعة درم. ان هذا الكونشرتو انجاز نادر لم يتوصل اليه الكثير من الفنانين الموسيقيين العرب. * باحث موسيقي عراقي له بحوث في مجال الغناء العراقي هذا المقال نشر في موقع ايلاف
صديقي أبا شريف (سلمان شكر)
نشر في: 14 إبريل, 2010: 04:47 م