TOP

جريدة المدى > غير مصنف > سلمان شكر شاعر الموسيقى

سلمان شكر شاعر الموسيقى

نشر في: 14 إبريل, 2010: 04:48 م

خالص عزمي كان ( ابو حقي ) يسكن في ذات الزقاق الذي كنا نسكنه في محلة السفينة من الاعظمية ؛ ومما قوى العلاقة بيننا هو اشتراكنا بحب الموسيقى وانجذابنا لسماع بعض الاسطوانات النادرة لكبار الموسقيين آنذاك وعلى رأسهم امير الكمان سامي الشوا .
 وفي ذات يوم شديد البرودة من بداية شتاء عام 1947 اتصل بي ابو حقي ودعاني عصرا الى مشاركته في تناول الشاي ؛ لبيت الدعوة وما هي الا دقائق حتى دخل شاب قصير القامة مجعد الشعر ؛ مبتسم الثغر ؛ شديد الحياء ؛ قمنا له مرحبين ؛ فعرفني عليه مضيفنا بقوله ( سلمان شكر : صديقي الموسيقار ) ؛ وحينما صافحته بحرارة ؛ لاحظت بان حبات العرق كانت تتلألأ على جبينه في ذلك الجو القارس . وما هي الا دقائق حتى طلب من احد افراد الاسرة جلب آلة العود التي تركها قرب المدخل .عزف سلمان شكر ؛ واخذته النشوة محاطة باعجابنا الى عوالم ساحرة من المؤلفات الموسيقية الكبيرة لعظماء عازفي العود وعلى رأسهم استاذه الشريف محيي الدين حيدر ؛ الذي كان عميدا لمعهد الفنون الجميلة في بغداد ... بعدها ... توطدت العلاقة معه ؛ وتواصلت اللقاءات ؛ في المعهد حيث كان يدرّس ؛ ونادي الكمارك حيث كان يلتقي مساءا مع بعض الفنانين ( رضا علي ؛ ومحمد كريم ؛وعبد الوهاب بلال وعباس جميل وغيرهم .. ) كان يصحبني الى مجلس هذه الباقة العطرة من كبار الفنانين ؛ الصحفي احسان وهيب مراسل مجلة الكواكب في بغداد ؛ فاستمع اليه في حوارياته مع موسيقيين ومطربين وملحنين ؛ وكان شكر هو الوحيد من بين اقرانه الذي تفرغ للموسيقى وحسب ؛ اذ لم يعرف عنه ابدا ان لحن او عزف لمطرب او مطربة . في عام 1952 زار بغداد ابن الرقة الاديب السوري الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي الذي كنت ارتبط معه بصداقة متينة ؛ فاقمت له مأدبة عشاء في دارنا في شارع عمر بن عبد العزيز ( الاعظمية ) ؛ حضرها لفيف من الادباء والصحفيين والفنانين ؛ وكان الفنان سلمان شكر بالطبع من بينهم ؛ حيث تجلى في تلك الليلة في ابراز احاسيسه على العود ؛ وقد طلب اليه بعض زملائه من الموسيقيين عزف مؤلفته الفلسفية (وادي الموت ) فعزفها على درجة عالية من التأمل و في اطار من التقنية البعيدة عن الزخرفة ؛ وحينما انتهى منها ؛قام اليه الدكتور العجيلي مصافحا ومهنئا ومعلنا عن انبهاره بهذا العمل الفني الصوفي الاخاذ .بعد ذلك ظلت اللقاءات تترى في مناسبات عدة ؛ لعل من ابرزها ؛ يوم دعاني الفنان حسام الجلبي لمشاركة الادباء والصحفيين والفنانين في الاستماع الى موسيقى ( شهرزاد ) وهي تعزف من قبل الفرقة الموسيقية الموسعة المختلطة التي ضمت اليها ابرع العازفين من المعروفين وذلك في الحديقة الامامية لمعهد الفنون الجميلة في الكسرة ؛... و في فترة الاستراحة التقيت بالفنان شكر مع ثلة من الموسيقيين والممثلين في بهو المعهد لتناول الشاي ؛ سألته عن معزوفة شهرزاد ؛ فقال : ( اولا ان زميلي حسام الجلبي ـ وقد كان احد تلامذته قبل هذا ـ فنان أصيل وبارع ؛ اما شهرزاد فهي عمل فني فيه عذوبة واتقان . ) ؛ ولم تكن هذه الشهادة باحد زملائه جديدة علينا ؛ فلطالما اشاد في كثير من المناسبات بزملائه واصدقائه الخلص ( جميل بشير ؛ و روحي الخماش ؛ وجورج ميشيل ؛ وسالم حسين ؛ وغانم حداد ؛ وجمال سري وفؤاد ميشو وجميل سعيد وحسين قدوري وحسين عبد الله ...) . بل ان اعجابه ببعض الفنانين وتقديره لهم ؛ كان يتعدى العراق الى المحيط العربي والتركي ايضا فقد كان معجبا بمحمد العقاد( عزف القانون الشهير ) والقصبجي وطاطيوس ( عازف الكمان المبدع ) ؛ واذكر ايضا اننا كنا نسهر ذات مرة في نادي الكمرك على شاطي نهر دجلة في منطقة المربعة ؛ وكان الراديو ينقل من بعيد اغنية للفنان فريد الاطرش فأغتنمتها فرصة وسألته عن رأيه بذلك الفنان الكبير ؛ فقال بايجاز مقصود المعنى ( انا اكبره على ايمانه وصدقه في موسيقاه الشرقية و براعته الفريدة بالعزف ؛ واني اعشق له اغنيته ـ أحب من غير أمل ) اما عن الاتراك ؛ فطالما اشاد بالفنانين الصوفيين القديمين سعد هبر ؛وحافظ برهان ؛ وكذلك بالموسيقارين البارعين المجددين مسعود جميل ؛ ونجدت بالو . كان سلمان شكر قصير النفس عادة في الحديث ولكنه كان طويل التدفق حينما يدور الكلام حول استاذه الجليل الشريف محي الدين حيدر ؛ فهو يلم بمسيرته تفصيلا ؛ يحدثك عن تأريخ حياته كاحد افراد الاسرة الهاشمية عاشق الموسيقى الشرقية والمبدع الاهم فيها ؛ ويحدثك عن مقدرته العجيبة في العزف على البيانو والتشيلو والعود ؛ وكيف انه استطاع ان يشد الانظار والاسماع اليه حينما عزف في انحاء شتى من العالم وبخاصة في امريكا ... الخ بل ان تفانيه في احترام ابداع استاذه كان يدفع به كل مرة لعزف احدى مؤلفات ذلك الاستاذ الجهبذ مثل ( الطفل الراكض ؛ سماعي عشاق ؛ ليت لي جناح ) في احدى حفلات عزفه ؛ ومن امثلة اخلاصه لابيه الروحي هو سفره عام 1967 خصيصا الى تركيا ليعزي زوجته الفنانة الكبيرة صفية آيلا برحيل ذلك الفنان العظيم . وقد حدثني عن تلك المناسبة بقوله : ( لقد كنت وانا اجلس امام زوجته ؛ طفلا صغيرا ملأت الدموع عينيه ؛ حزنا وحسرة والتياعا ؛ لم استطع مغالبة احاسيسي وانا اجلس بين افراد الا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

اعتقال صاحب منزل اعتدى على موظف تعداد سكاني في الديوانية

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram