ستار راضي "معاق"، تفاجأ ذات مرّة، بزيارة إحدى المنظمات الإنسانية، كما عُرّفت من قبل أحد العاملين بها، حيث خصّصت هذه المنظمة مرتباً شهرياً لستار، وإيصال بعض الأدوية التي يحتاجها بالعلاج، كما تكفّلت بدفع مصاريف عملية يفترض أنها تُجرى بعد أشهر. بعد أسابيع، تفاجأ ستار مرة ثانية، بزيارة عضو المنظمة مع بعض الهدايا العينيّة، لكن هذه الزيارة حملت معها أنباءً أخرى عبر محاولته إقناعي وعائلتي التصويت لصالح إحدى الشخصيات السياسية في الانتخابات السابقة، وأخبرني أنّ كل هذه العطايا من كرم تلك الشخصية التي لم تترك من ينتخبها حتى وإن لم تفز بالانتخابات...
موسم المنظمات الوهمية
شهدت الأشهر القليلة الماضية ظهور مسمّيات كثيرة لمنظمات غير حكومية تحسب نفسها (خيرية / إنسانية) تعنى بشؤون المحتاجين والفقراء، تزامن هذا التزايد مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المحافظات، الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول هذا التزايد المُريب، ولا يخفى ارتباط وصِلة العديد من هذه المنظمات، مع أحزاب سياسية داعمة لها، انكشف مغزاها مع قرب الانتخابات والترويج لشخصيات سياسية معينة أو أحزاب ستخوض الانتخابات، تضع في مقدمة برامجها كيفية كسب أصوات الفقراء عبر بعض الفعاليات والتبرعات العينيّة التي لاتبتعد كثيراً عن عملية الفساد والرشى، لكنْ بشكل آخر.
وقد سلمت دائرة المنظمات غير الحكومية، وهي إحدى دوائر الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والجهة الحكومية الرسمية الوحيدة التي تعنى بشؤون المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق، وجبةً جديدةً من شهادات تسجيل منظمات المجتمع المدني، حيث تم تسليم 27 شهادة لمنظمة من أصل 40 شهادة تم إصدارها خلال الشهر المنصرم، لمنظمات غير حكومية ومن مختلف محافظات العراق .
شروط صارمة وإجراءات عقابية
يتنوّع عمل الخير ومساعدة الآخرين وفق المستطاع والمقدور عليه من الناس الراغبين بالمساعدة، لكنَّ هناك من يريد تشويه مثل هكذا مبادرات إنسانية تنمّ عن التكافُل. وليد الشيخ باحث اجتماعي، علّق على ظاهرة انتشار المنظمات (الربحية) كما أسماها، والتي يقصد بها ربح أصوات الناس في الانتخابات عبر تقديم بعض المساعدات العينيّة من أموال كانت مخصّصة لمشاريع تخدم الشرائح الفقيرة. لافتاً الى مساهمة الحكومة في تفشّي هذه الظاهرة، عبر منحها التراخيص لفتح مكاتب مايلبث أن تُغلق بعد انتهاء الانتخابات.
ويضيف الشيخ بحديثه لـ(المدى): من المفترض أن تخضع مثل هكذا أمور، الى رقابة صارمة من قبل أجهزة الدولة المعنية، فضلاً عن مراقبة وارداتهم المالية وتمويلهم ومعرفة تلك المصادر، إن كانت خارجية أو داخلية. مشيراً الى أن بعض الأحزاب السياسية التي تملك المال والنفوذ، وجدت بهذه المنظمات بوابة لشراء أصوات الناس من الفقراء والمعوزين غير المدركين لتأثير أصواتهم في الانتخابات. مؤكداً على أهمية وضع اجراءات عقابية مشدّدة على المنظمات والعاملين فيها ممن يستغلون حاجة الناس. الشاب مجتبى محسن، يكشف عن تجربة عمل في إحدى المنظمات (الإنسانية) التي فتحت مكتباً لها في منطقتهم السكنية شرق العاصمة بغداد، لكن مجتبى بعد أيام معدودة من العمل في المنظمة نتيجة ماكشفه من مآرب للمسؤولين عليها، حسب وصفه، موضحاً أنه رشّح من قبل أحد اصدقائه العاملين في تلك المنظمة عن طريق قريب له مسؤول في حزب تعود هذه المنظمة لها وتعمل على شراء أصوات الناس ببعض الحاجيات العينيّة.
فيما ندّدت المواطنة فهيمة محمد، بالطريقة التي تتعامل فيها بعض المنظمات مع الناس، وبشكل خاص الفقراء، مع قرب فترة الانتخابات، حيث تعوّل الكثير من الأحزاب على أصوات الفقراء في حصد المقاعد البرلمانية ونيل الامتيازات والمرتبات العالية. مستطردة بحديثها لـ(المدى) بعض هذه المنظمات تتعمد إهانة الناس واستغفالهم عبر ما تقدّمه من أشياء لاقيمة لها، إذا ما قورنت بما يتقاضاه الساسة والمسؤولون الحكوميون. متمنية أن تكون هناك حملة كشف لأساليب هذه المنظمات غير الإنسانية.
فرق تطوعية وهمية
مقابل ذلك هناك مجاميع من الشباب قامت بتكوين فرق عمل تطوعية لجمع التبرعات وإغاثة المحتاجين والنازحين بوجه الخصوص، واستطاعت تقديم خدماتها بشكل إنساني حقيقي، لكن البعض من ضعاف النفوس استغل هذه المجاميع، وأخذ بتكوين مجاميع وهمية أخذت تنتشر في أماكن عدة، من بينها شارع المتنبي.
الشاب فريد هادي، يعمل في فريق تطوعي، خصّص عمله لإغاثة الأطفال المصابين في الحرب، شكا تزايد منظمي الحملات التطوعية، إن كان في شارع المتنبي أو في أماكن أخرى. عازياً السبب الى غياب المتابعة الحكومية واستغلال طيبة بعض الناس واستعدادهم للتعاون مع الآخرين وتقديم المساعدات لهم.
ويشير هادي، الى أنه بسبب استغلال البعض من ضعاف النفوس تزامناً مع غياب القانون والمتابعة، قاموا بتشكيل فرق وهمية دون مقر رسمي أو إجازة حكومية تقوم بجمع التبرعات من هنا وهناك وإنفاقها على ملذّاتهم، الأمر الذي شوّه منظرنا أمام الكثير من المتعاطفين معنا ومن يسهمون بدفع التبرعات والمساعدات للمحتاجين. منوهاً الى أن هؤلاء، يشبهون بعض الأحزاب التي تقوم بفتح منظمات وهمية لغرض كسب أصوات الناس لصالحهم ونيل الامتيازات الخاصة.
فيما أوضحت المتطوعة سهاد عبدالرزاق، عملية الاحتيال التي تقوم بها بعض الفرق التي تقول إنها تطوعية لكن الواقع غير ذلك بتاتاً، مشيرة الى أن أغلب تلك الفرق وهمية، ومنها مرتبطة ببعض الأحزاب السياسية في محاولة منها لتشويه سمعة ومنظر العمل التطوعي الذي يهدف لمساعدة الفقراء والمحتاجين. مؤكدة على ضرورة ردع هذه الفرق ووضعها تحت طائلة القانون.
وفي المقابل، هناك منظمات إنسانية مستقلة تماماً وبعيدة كل البُعد عن الانتماء الحزبي، استطاعت وبجهود شخصية تشكيل تجمعات خيرية، بهدف مساعدة أكبر عدد من المحتاجين والفقراء، عاهدت نفسها على بذل قصارى جهدها لمن يمد يد العون والمساعدة دون مقابل، بالإضافة إلى مسؤولياتها الحياتية. حيدر حسن نائب رئيس إحدى المنظمات بيّن لـ( المدى) أن: عمل المنظمة متمثلٌ بتقديم المساعدة للعوائل التي تُعد تحت مستوى خط الفقر، والتي لا تمتلك معيلاً نتيجة وفاة معيلها أو عدم قدرته على العمل لإصابته بمرض أو إعاقة، وهذا يتم من خلال الكشف الميداني لهذه العوائل من خلال أعضاء المنظمة. مضيفاً: أن عدد المتطوعين في المنظمة وصل حالياً إلى 40 متطوعاً ومن مختلف مناطق بغداد، منهم موظفون وكسبة ، وعملنا التطوعي هذا خالص لوجه الله تعالى وليس ربحياً، ولا نمتلك أي دعم من أيّ جهة كانت، واعتمادنا فقط على المساعدات والإعانات المقدّمة من متبرعين غايتهم منها فقط الأجر والثواب . وأوضح أن: هناك الكثير من الجهات التي عرضت علينا الدعم وفتح مقر للمنظمة، مقابل دعمهم بأمور انتخابية ومصالح حزبية، وقد جوبهت هذه المحاولات بالرفض. مردفاً: لأن الحافز والهدف الذي جعلنا نستمر بعملنا هو وجود الكثير من المنظمات الإنسانية تعتبر أجندة لأحزاب وجهات سياسية تعمل بشكل سرّي، وكذلك وجود منظمات تستغل الفقراء والأرامل والمطلقات بحجة عمل الخير هذا ولأغراض شخصية، وهذا ما زادنا إصراراً بعملنا وضخ وتدريب شباب مستقل بعيد عن التحزب والانتماءات .
من يوقف مخالفة القوانين
يبدو أن موسم الانتخابات التي لاتزال في خانة النقاش والتأجيل السياسي، يدخل في برامج الأحزاب أكثر من برامجها الانتخابية الخدمية، مثلما توضّح ذلك حملة فتح المنظمات الوهمية التي يرتبط عمرها بعمر الانتخابات، كما بيّن ذلك الأكاديمي سليم حسين في حديثه لـ(المدى) مسترسلاً أنّ، العديد من هذه المنظمات التي تعمل على إقناع الناس ببعض السلع الرخيصة لأجل إعطائهم أصواتهم في الانتخابات، لاتعدو أكثر من عملية فساد تحت غطاء المساعدات الإنسانية التي توهم بها هؤلاء الناس البسطاء، عازياً سبب ذلك الانتشار الى سيطرة الأحزاب ذاتها على منح إجازات العمل والرخص بفتح مكاتب، بل إن هناك ما هو أكبر حين يتم تخصيص منشآت حكومية لهذه المنظمات الحزبية. ويوضح حسين، أن هذه المنظمات وجدت ضالتها بالمناطق الفقيرة والنازحين في المخيمات الذي يحتاجون لكل شيء، لكن حتماً يقف خلف ذلك هدفٌ. متسائلاً، عن دور الجهة المانحة لإجازة عمل المنظمة، ولماذا لاتتم متابعتها. كما تساءل عن المتابعة المالية لهذه المنظمات وهل تخضع لقانون هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية؟ موضحاً أنه لم يسمع يوماً، بأن منظمة من هذه المنظمات أو منظمات المجمتع المدني، قد كشفت عن حساباتها المالية أو تم كشف ملفات فساد ضدّ أيِّ منها رغم أن جلّها مخالف للقوانين.
فيما شدد الباحث الاجتماعي عباس إبراهيم الحاجم على أهمية أن تسهم الحكومة بردم الهوّة الاقتصادية بين شرائح وطبقات المجتمع العراقي لأجل سدّ الطريق أمام هذه المنظمات والوسائل التي تتبعها بالاحتيال والنصب على الفقراء. عاداً ترك عمل هذه المنظمات بالطريقة الحالية، مساهمة بالجرم والتزوير بالانتخابات كما وصف ذلك.
وأكد الحاجم، على أن الحكومة تتحمل المسؤولية، خاصة إن أغلب الأحزاب الحاكمة اليوم، لديه عدد غير قليل من هذه المنظمات التي تحمل أوصافاً وأسماءً مختلفة منها، ما يعنى بالأرامل والأيتام وأخرى بذوي الاحتياجات الخاصة وثالث بالمرضى، وهنا أيضاً تتنوع حسب المرض. مبيناً أن انتشار هذه المنظمات مع قرب موعد الانتخابات خير دليل على ارتباطها بالأحزاب والتيارات السياسية الحاكمة.