الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 28
الرئيسية > أعمدة واراء > بيزارو روسّيني

بيزارو روسّيني

نشر في: 28 يناير, 2018: 09:01 م

(2 - 2)
أجملُ المظاهر في مدينة "بيْزارو" الساحلية أنك ما أن تشهد عرضاً أوبرالياً حتى ترى أبطالَه من المغنين يجوبون شوارعَها ومقاهيها ومطاعمها، في الليلة ذاتها، أو في اليوم التالي. جيل شاب، لم يصبح معظمهم نجوماً عالميين بعد، فهم في متناول البصر واليد. و"مهرجان أوبرا روسيني" Rossini Opera Festival منح المدينةَ وأبناءها وزائريها حميميةً خاصة، لا تقع عليها في أي مهرجان عالمي للأوبرا.
في "آرينا أدرياتِك" بالغة الضخامة اغتنيتُ بعملين لروسّيني، الأول "حصار كورينث"، وضعها في مطلع إقامته في باريس عام 1826، و"المِحك" التي تنتسب لمرحلة مبكرة 1812. عملان متعارضان، الأول تراجيدي، والثاني كوميدي. وبالرغم من طغيان اللمسة الكوميدية على أوبرا روسيني، حتى أنه حين التقى بيتهوفن وهو مرحلة صممه التام نصحه الأخير، بعد أن أطرى "حلاق أشبيلية"، بأن يظل كوميدياً، لأن الكوميديا تناسب طبيعته. إلا أنه لم يُخفق في التراجيديا، وله منها أعمال عدة: عطيل، تانكريدي، سميراميس، اليزابيث، موسى في مصر، وليم تيل...
وضع روسيني "حصار كورينث" The Siege of Corinth تمجيداً للمدينة اليونانية التي حُطمت على يد الأتراك، أبان حرب الاستقلال 1826. ولكنه انتخب حدثاً تراجيدياً شبيهاً، يوم حاصر السلطان الشاب محمد الخامس، بعد فتح القسطنطينية عام 1453، مدينةَ "ميسولونجي" اليونانية. الحكاية تقول أن الشاب "منصور" (محمد الخامس فيما بعد) كان يصطاف في أثينا، والتقى فتاة تُدعى "باميرا" فتحابا. بعد اقتحامه المدينة يلتقي محمد الخامس ابنة حاكمها، وإذا بها "باميرا"، فيتعانقان ويقرر الزواج منها، وإصدار العفو العام. إلا أن "باميرا" تدخل محنة الصراع الداخلي بين "حبها" للسلطان التركي، وبين "واجبها" لمقاومة احتلاله. تحت وطأة الحرب الخارجية والحرب الداخلية تقرر "باميرا" الانتحار، مع جمع غفير، على أن تستسلم لعواطف الحب الحارقة.
في اليوم التالي شاهدتُ الكوميديا "المِحك" The touchstone، وقد أعطاها المخرجُ زماناً ومكاناً حديثين، يحار فيها الكونت "استروبالي" بين نساء أربع، من منهن الأكثر إخلاصاً. يقترح عليه مساعدُه أن يدّعي الافلاس، على أثر رسالة يستلمها من دائنه، كمِحك لمعرفة المقربين منه. ينفضُّ عنه الجمع المحيط إلا واحدة، هي "كلاريسي"، التي يميل إليها قلبُه، وقلبُ صديقه الوفي "جلوكوندو". بعد أن يزعم من جديد استرداد ثروته يقع الجمعُ المحيط في مأزق. في حين يظل صديقه الوفي في محنة حبه الكتيم، ويعبر عن ذلك في أغنية رائعة لا أحسن ترجمتها: Quell’alme pupille io serbo nel seno
في ليلة اليوم الثالث عدتُ إلى "مسرح روسيني" التقليدي في قلب المدينة القديمة لأشاهد أوبرا العاشقين "تورفالدو ودورليسكا" Torvaldo and Dorliska (1815). عمل موزع بين التراجيديا والكوميديا، مستوحىً من مسرحية لكاتب ثوري يُدعى دي كوفراي. العمل يحدثنا عن حكاية حب بين أحد الفرسان "تورفالدو" وزوجته "دورليسكا"، في مقابل "دوق" بالغ العنف والسطوة، يحب بدوره "دورليسكا"، يسجنها في قصره، ويسعى إلى قتل زوجها. حارس الدوق "جيورجيو" وأخته "كارلوتا" يراقبان ما يحدث من مظالم عن غير رضى. يسعيان، مع جمع من أصحابهما، إلى التآمر على الدوق. وفي ذروة محاولة إنجازه تحقيق الرغبة لقتل الزوج واغتصاب الزوجة، يُفاجأ بالجمع الغفير تحت قيادة "جورجيو" يدخل القصر لإلقاء القبض عليه وإيداعه في سجن قصره.
قصص الأوبرا ليست إلا مادة لدائنية بين يديْ الموسيقى، من آلات أوركسترا وحناجر مغنين وإنشاد كورس، تحت قيادة مواهب بارعة. وبين يديْ مخرجين ومصممي ديكور وأزياء لا يقلون براعة. وهذا ما رأيته، واغتنيت به: حاسةً، روحاً وعقلاً. والجمهور الإيطالي عجيب في طبيعة استجابته بين جماهير الأوبرا في العالم. فهو يضرب بقدميه، ويصوّت بفمه "هو هووو.." إن لم يُعجبه أداءٌ من مغنٍّ أو قائد أوركسترا. ولقد حدث ذلك في التراجيديا الأولى حين طالت موسيقى الباليه دون راقصين، وفي الكوميديا حول غناء البطلين، حتى اشعرني الأمر بالحرج.
لم أذكر الأسماء الكثيرة المشاركة في الأعمال الثلاثة، فهي متوفرة في موقع المهرجان لمن يرغب http://www.rossinioperafestival.it

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

العمود الثامن: قائمة المنتفعين

 علي حسين في بلاد الرافدين حزب من المنتفعين يضم عدداً من السياسيين والمسؤولين الكبار ممن إذا أصابت الناس مصيبة لاذوا بالصمت الذي هو في عرفهم أبغض الحلال. ومن المفارقات العجيبة في العراق -بلد...
علي حسين

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش

(50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين فذيفتين

زهير الجزائري (1) يوم ١٣ نيسان ١٩٧٥ بدأت الحرب من مجزرةً (عين الرمانة). كنّا في طريقنا إلى الجنوب اللبناني حين انقطع بثّ الراديو بين إعلان عن مسحوق الغسيل المفضل لدى النساء العصريات و سيكارة...
زهير الجزائري

التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين: تحديات القرن الواحد والعشرين

محمد علي الحيدري التنافس بين الولايات المتحدة والصين أصبح في السنوات الأخيرة أحد أبرز القضايا التي تحدد ملامح السياسة العالمية، حيث يشتد في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بشكل يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram