مقدمة: وجدت في مكتبة والدي (رحمه الله) و بخط يده مجموعة من الابحاث الموسيقية و الكتب الغير منشورة ، وانا اذا اضع بين ايديكم بعضا منها – بين الحين و الآخر- اتمنى و ارجو ان يستفيد الباحثون والمعنيون في امور الموسيقى من تلك الجهود التي بذلها والدي خلال حياته باحثاً في هذه العلوم ، و ليتمكن المعنيون بهذا الامر من متابعة المسيرة العلمية الموسيقية .بان سلمان شكر
البحث:سوف احاول في كلمات قليلة ان اوضح بشكل عام مفهوم النغمة لدى العلماء العرب في العصور الماضية و امتدادها حتى الآن، و موضوع الموسيقى العربية حالياً بمقارنة بسيطة للنتائج التي توصل اليها العلماء العرب مع ماهو عليه في الغرب مختصِراً جهد الامكان و متحاشياً الرموز و المصطلحات التي كانت مستعملة في السابق.قال الخوارزمي في كتابه " مفاتيح العلوم " في تعريف النغمة : ((النغمة صوت غير متغير الى حدة ولا ثقل مثل مطلق البم او غيره من الاوتار اذا نقر او مثل البم وغيره من الاوتار اذا وضع اصبع على احد دساتينه ثم نقر، و النغم لللحن بمنزلة الحروف من الكلام منه يتركب و اليه يُنحَل)).ان تعريف الخوارزمي للنغمة بانها صوت غير متغير يذكرنا بان هذا الرأي قد حدا بالعلماء و الموسيقيين العرب منهم ومن تأثر بحضارة العرب الموسيقية بأن يضعوا لكل نغمة إسما، بغية التشخيص وعدم الالتباس، وهذا ما حدث في الفترات الاخيرة من القرون الوسطى حيث نرى ان لكل دستان او موضع عفق اصبع على الآلات ذوات الاوتار من عائلة العود إسماً يدل على موقع تلك النغمة.وهذا ما أكد عليه الموسيقيون الاتراك و الهنود و غيرهم الذين ترجموا العلوم الموسيقية العربية الى لغاتهم.وقول الخوارزمي : (( بأن النغم لللحن بمنزلة الحروف للكلام من يتركب و اليه يُنحَل )) ، فتشبيه النغمات بالحروف تؤكد ثبات النغمة كمثل ثبات الحروف وكما ان الكلام يتشكل من الحروف كذلك فأن اللحن يتشكل من النغمات. فلو اردنا ان نرجع الكلام الى موارده الاولية وهي الحروف لكان ذلك بمقدورنا كذلك الامر بالنسبة للألحان ، فلو اردنا تحليلها لأمكننا إرجاعها الى مواردها الأولية وهي النغمات.ولكن إخوان الصفا دخلوا في تفاصيل كثيرة و شرحوا ماهية الصوت و كيفية تكوينه و إعتبروه نتيجة لقرع الاجسام كما قالوا إن المواد الأولية للصناعة الموسيقية كلها جواهر روحانية وهي نفوس المستمعين.وهذا يثير نقطة جديدة بالملاحظة وهي ان اخوان الصفا وضعوا المستمعين طرفاً في الموسيقى و الغناء وهو الامر الذي توصلت اليه الحضارات الاوربية مؤخراً.ويؤكدون ان الالحان المرسيقية هي اصوات و نغمات ، فهنا ترد ايضاً ((نغمات)) كمادة اولية في صناعة الموسيقى مما يؤكد اهتمامهم الجم بتأثير الاصوات و النغمات على الانسان و الحيوانات وهو ما توصل اليه الباحثون اخيراً في العالم الغربي ايضاً و تحليلهم (اي اخوان الصفا) للموسيقى على الشكل التالي:(( الموسيقى هي الغناء و الموسيقار هو المغني و الموسيقات هي آلة الغناء و الغناء ألحان مؤتلفة و نغمات متواترة)). وفسروا النغمة فيزيائياً بأن النغمات هي اصوات متزنة و الصوت قرع يحدث في الهواء من تصادم الاجسام بعضها ببعض وقد تكون الاصوات طبيعية كالبرق و الرعد او مصطنعة كقرع الطبول و الدفوف ، لذا فأن الموسقى لديهم الحان مؤتلفة و اللحن نغمات متزنة لا تحدث إلا من حركة متواترة بينها سكنات ، اي ان هناك حركة و سكون ثم يصفون الاصوات من ناحية السرعة و الأناة و الضخامة و الرقة و ذلك بإضافة بعضها لبعض ، فمن الزير الى المثنى و المثلث الى البم تكون حادة او بالعكس تبدأ بالبم و تنتهي بالزير فتكون غليظة ونلاحظ مما سبق انهم استعملوا كلمة غليظة بدلاً من كلمة ثقيلة التي وردت عند معظم العلماء العرب.ثم يتقارب تفسير اخوان الصفا من تفسير الخوارزمي حيث يقولون : (( بأن حدة الاصوات و غلظتها تعتبر بإضافة بعضها الى بعض )) . وهنا يلتقي اخوان الصفا مع ابن سينا و صفي الدين عبد المؤمن البغدادي كما سنرى ذلك فيما بعد.اما الشيخ ابو النصر الفارابي فقد عرف النغمة بأنها كما يلي: (( النغمة صوت لابث زماناً ذا قدر محسوس في الجسم الذي هو فيه يُوجِدْ )).اما ابن سينا فأنه ينظر الى النغمة و الاصوات نظرة علمية رياضية ولا يشارك اخوان الصفا في البعض من ارائهم متحللاً من أوهام الاعتقادات وضروب الأخيلة و ارتباطها بالفلك و الاجرام السماوية. و قد أكد ابن سينا بهذا على أنه عقلية ناضجة جعلته متبوئاً مكان الصدارة بين هؤلاء.يربط ابن سينا مادة الصوت بحاسة السمع و يقارن تَلَقي السمع للاصوات و النغمات سواء كانت طيبة او مستكرهة لطبيعة الجهاز السمعي. و ارتياح الاذن او نفرته من ورود النغمات اليها. كما تتلقى العين المرئيات وكما يتلقى الأنف الروائح. وكان في تفسيره هذا اكثر توفيقاً ووضوحاً من بعض من سبقه، وقد فسر الصوت على انه ظاهرة توجد عند الحيوان كما توجد عند الانسان. يستفاد منه في نداء او تحذير او استغاثة عند الحيوان. اما عند الانسان الذي هو اعلى مرتبة من الحيوان و اكثر ادراكاً منه، فأن استعماله للصوت هو بالضرورة اكثر تعقيداً و أوسع شمولاً وارقى فكرة مما هو عند الحيوان .وفي الشرح و التسلسل العلمي و المنطقي لطبيعة الصوت و اغراضه عند الانسان و الحيوان و الفارق بين الاثنين يتطرق الشيخ ابن سينا الى شرح النغمة و
مقال نادر لسلمان شكر..مفهوم النغمة عند العلماء العرب
نشر في: 14 إبريل, 2010: 04:50 م