د. سيار الجميل.. رحل صاحب الالحان الشجية وانتهت اسطورة العود الجميل من خلال انامله الرائعة.. نعم، ذبلت شجرة العراق الموسيقية برحيل واحد من ابرز اغصانها الوارفة، ولم يبق من تلك الاغصان الا واحدا او اثنين نخشي عليهما من الوضع المأساوي الذي تنتهي به حياة كل المبدعين العراقيين هذه الايام..
وهم يودّعون زمنا كان مليئا بالتوهج والابداع والعطاء.. لقد انتهي تحديهم للزمن الصعب الذي صنعهم مذ لم يعد لهم مقاومتهم لكل النزق ولكل الذبول والموت البطئ.. لقد رحل الموسيقار سلمان شكر بعد رحلة مفعمة بالعطاء ونابضة بالاشجان الشجية التي تركها لنا منذ بواكير حياته.. لقد ناضل سلمان شكر بريشته علي امتداد القرن العشرين.. وسجل بانامله اروع الالحان على عوده الذي احبه حبا جما .سلمان شكر عراقي اصيل ووصلت مكانته الي الدرجة العالمية، مترجما صفحات من الموسيقي الشرقية.. كان عازفا ماهرا علي آلة العود وله بعض الكتابات التي نشرها هنا او هناك . ولد ببغداد عام 1921، واسمه الكامل سلمان بن شكر بن داود بن حيدر محمد علي، وهو من اصول فيلية التي ازجت للعراق عدة مثقفين وعلماء وادباء كبار في قلب العراق . كان سلمان شكر احد اعمدة الموسيقى العراقية عازفا واستاذا للموسيقي الشرقية، وله عدة تآليف وكتابات . لقد ولد ببغداد عام 1921 ونشأ فيها وقد اغرم منذ صبوته بالموسيقي التي لم تجد هوى لدي اهله.. وعليه فقد آثر العزلة والعزف بصمت على العود.. وما ان شّب حتى انخرط في المعهد الموسيقي عازفا على آلة الكلارنيت ضمن الجوق الموسيقي الذي اسسه الموسيقار حنا بطرس . تكوين سلمان شكر وتأثير الموسيقار الشريف محيي الدين حيدر دخل سلمان المعهد في اول دورة عام 1936، فدرس آلة العود والموسيقي الشرقية علي يد الموسيقار الرائد الكبير الشريف محيي الدين حيدر بن علي، وتخرّج عام 1944 بعد ان كان قد ترك الدراسة مدة ثلاثة اعوام لاسباب عائلية صعبة.. وما ان تخرّج حتي عمل عازفا، ومن ثّم عيّن عام 1947 استاذا لالة العود في المعهد نفسه، وبقي في منصبه لاكثر من ثلاثين عاما.. فكان ان تخرّج على يديه نخبة من المبدعين الموسيقيين العراقيين والعرب . شغل سلمان شكر بعد ذلك منصب مستشار فني في وزارة الثقافة والاعلام سنوات عدة، فضلا عن توليه رئاسة اللجنة الوطنية للموسيقي سنوات عدة.. سافر الى عدة بلدان ممثلا العراقي في مؤتمرات ومهرجانات كثيرة سواء في الصين ام ايران ومصر وانكلترا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييت سابقا.. اذ عزف في اكثر من مكان معزوفاته الشهيرة فضلا عن تسجيلاته المتنوعة في دار الاذاعة والتلفزيون العراقية . ينتمي سلمان شكر الي مدرسة استاذه العملاق الشريف محيي الدين حيدر الذي كان يبره كثيرا، اذ بقي سلمان وفيا للانماط التي تعلمها، ولكن اضفي عليها اسلوبه الذي كان متشبعا بالفضاءات التركية وخصوصا من الناحية التعبيرية ويجمع العديد من الدارسين ان سلمانا هو آخر العنقود ممن يمّثل هذا النمط الترتيلي الهادئ الذي يتصف بمناجاته الروحية.. ولا ينفي سلمان شكر ذلك عندما وصف نفسه بالمريد في مشيخة استاذه الشريف محيي الدين.. لقد جسّد سلمان شكر اصوليات الموسيقي العربية الكلاسيكية التي تأخذك نحو الافاق البعيدة الي جانب ذلك النسق المتوارث من رحاب الموسيقي العثمانية التي تأخذك نحو اعماق السماء وخصوصا في عزف بشارف وسماعيات التي كلها مناجاة رخيمة! rnالرقي والتسامي في العزلة والتفرد كان سلمان شكر راقيا في فنه لم يهنه ولم يدنه الى مستويات عادية او هابطة، ولكن هذا ليس برهانا على كونه لم يصاحب فرقة موسيقية تقف وراء مغن، ولم يعزف للاخرين بستاتهم واغانيهم الشعبية، اذ لم يكن مترفعا عن اداء شعبي، ولكنه يجد هناك من يكون مؤهلا لذلك بدلا عنه! خصوصا وانه يعد نفسه صاحب محتوي ارقى بكثير من الشعبي المتداول ليس في كابريهات بغداد، بل حتى في دار الاذاعة.. وهو بذلك علي عكس الموسيقار جميل بشير الذي كان يعمل ليل نهار برفقة الفرق الموسيقية واغلب المطربين والمطربات يعلمهم جميعا ويفتح امامهم الطريق . كان سلمان شكر يجد نفسه وريثا حقيقيا للموسيقار الشريف محي الدين بكل ما تركه الاخير من موروث فلسفي له الوانه وعناصره.. فضلا عن ان الاخير كان يرى في العود آلة صاحب منزلة كبرى تستطيع لوحدها ان تعبر عن كل الالوان والعناصر، فليس من اللياقة ان يصاحب العود غيره في فرقة غناء شعبي.. ان العود له شخصيته الانفرادية التي تعبر عن ذاتها بكل قوة.. ومن ينسجم معها، فهي تساعده في التعبير عن اسمى الاشياء واروع الصور واجمل اللوحات.. ناهيكم عن كونها آلة لها القدرة ان تخرج ما في النفس من المشاعر والانفعالات.. انها آلة باستطاعتها ان تتكلم لوحدها، بل وتغني بمفردها،، واذا شاركتها آلات موسيقية أخري، فهي القادرة علي ان تسيطر سيطرة كاملة علي الجميع! rnبراعته في التراث الموسيقي العربيانني لم اعرف الرجل ولم التق به ابدا، ولكنني كنت قد سمعت اكثر اعماله الموسيقية والتي درسها وحللها العديد من الكّتاب والنقاد الموسيقيين.. لقد كان الرجل مولعا بالعزلة التي كان عليها منذ ايام طفولته.. وكان عالما وخبيرا بعلوم الموسيقي وتواريخها والحركات الموسيقية التي تطورت من خلالها ا
سلمان شكر حكاية أشجان عراقية لا تموت
نشر في: 14 إبريل, 2010: 05:03 م