يقول المخرج فاتح آكين: "في التسعينيات عندما قمت بإخراج أول فيلم اخترت أن يكون بطله شابا يشبهني، تركي ولد في ألمانيا، مستحضرا خلفيتي العائلية، ولاقى هذا العمل ترحيباً واسعاً خاصة من قبل وسائل الإعلام التي سلطت الضوء عليه بشكل كبير، حينها أيقنت أن هذا هو المسار الذي يجب أن أسلكه"..
كانت خطوة المخرج الالماني من أصل تركي هي بالقاء مجساته بخصوص مسار الموضوعات التي سيعتمدها في أفلامه فيما بعد. وهي افلام ذات مساس بثقافة بلده الأم، فقد أخرج عددا من الأفلام الوثائقية التي تطلع من خلالها لاستكشاف الثقافة التركية وصبغتها العالمية، وامتدادها في التاريخ، حيث أبدع سنة 2005 فيلماً وثائقياً بعنوان "عبر الجسور - صوت اسطنبول" والذي سلط فيه الضوء على مختلف جوانب الموسيقى التركية والغنى والتنوع الذي تزخر به، فيما أنتج فيلماً وثائقياً آخر بعنوان "لقد نسينا العودة" يحكي من خلاله عن رحلة هجرة والديه من الأراضي التركية في اتجاه ألمانيا. العديد من أعمالك السينمائية ركزت على موضوع الهجرة، خاصة صورة المهاجرين الأتراك في ألمانيا.
فيلمه الجديد (في التلاشي) الذي فاز أخيراً كافضل فيلم أجنبي في مسابقة الغولدن كلوب، وعرض في مهرجان دبي السينمائي لايخرج عن (مسار) فاتح اكين، فهو فيلم صادم، مشوق ومثير وعاطفي، يُفضي فيه سعي امرأة شابة لنيل العدالة لزوجها وابنها الصغير المقتولين خلال عمل إرهابي، إلى شبكة معقدة من الدسائس والأكاذيب والمخاطر والفوضى النفسية.وبعد سلسلة من التحقيقات، يتضح بأن النازيين الجدد هم من قتلوا زوج «كاتيا»، «نوري» وابنها الصغير «روكّو»، ولكن ما سبب هذه الجريمة؟ بعدما تبدأ جلسات محاكمة المجرمين، تتعمق جراح «كاتيا» بعدما تكتشف الخفايا الشرّيرة والوجه القبيح للنازيين الجدد الذين سقطوا في أعماق الكراهية البشرية وتجد نفسها – بمساعدة من صديق زوجها المحامي «دانيلو» - في مواجهة نارية مع أولئك الذين سرقوا فرحة عُمرها ودمّروا حياتها بتطرّفهم ونواياهم الشريرة. وتحقق العدالة في أن تفجر نفسها مع هذا الارهابي.
ففي الوقت الذي تكرست فيه تلك الصورة النمطية للارهاب بوصفه من صنع العرب يقدم فاتح اكين معالجة معكوسة ، الذي يطرح فيه الأوروبيين كإرهابيين والمسلمين كضحايا.
نتابع في الفيلم شابا مسلما ( نوري) يخرج من السجن، حيث سجن بسبب تجارته بالمخدرات، ليتزوج من حبيبته الألمانية الشقراء، كاتيا، ليبدأ حياة جديدة.. ثم تتولى الأحداث لنلتقي بكاتيا برفقة طفلهما في طريقهما إلى مكان عمل زوجها، للترك ابنها عنده، وعند رجوعها الى مكان العمل تجده مزدحما برجال الأمن. حيث يقضي زوجها وابنها جراء عمل ارهابي.
تبدأ كاتيا تشك في أن مرتكبي هذا الفعل هم النازيون ودليلها إنها شاهدت فتاة تركن دراجتها أمام مقر عمل زوجها .. في وقت تصر تصر الشرطة في كون الضحية كان عضواً في تنظيم اسلامي متطرّف، لكنها تنكر كما أن الإعلام الألماني وصف العملية كحرب بين تجار مخدرات بدلاً من التحقيق بالأمر. ورفضت الشرطة توجيه التهمة للنازيين حتى إن وصلها تبليغ عن تورط أعضاء الحركة النازية بالعملية وقبضت على المشتبه بهم وهما الفتاة التي شاهدتها كاتيا وزوجها. وعندما تيأس (كاتيا) من اثبات الحقيقة التي تؤمن بها مثلما تيأس من القصاص بالفاعلين.. تلجأ هي لذلك .
ويفصح الفيلم حقيقة أن اندماج الاجنبي في المجتمع الاوروبي ليس وحده المسؤول عن الارهاب .. لكن الجانب الآخر أقصد به المجتمع يتحمل جانباً مهماً.. فليس الإعلام والقضاء وحده الذي كان له دور سلبي في هذه القضية بل حتى عائلتها التي كانت تحثها على نسيان زوجها باعتباره تاجر مخدرات.
في التلاشي.. والارهاب الآخر
[post-views]
نشر في: 24 يناير, 2018: 03:11 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...