لا تزال الصناعة الدوائية المحلية لا تغطي سوى 20% من الاحتياج المحلي، كون الاعتماد على معمل أدوية سامراء فقط، بدون توسيعه أو فتح فروع أخرى في محافظات البلاد أو في الأقل توسيع طاقته الإنتاجية، لذا فإن تلك الصناعة بقيت متأخرة، مقابل ذلك بات التوجه نحو الاستيراد هو السمة الرئيسة، الأمر الذي عرقل الترويج للصناعات المحلية من الأدوية. ورغم اتخاذ وزارة الصحة والبيئة إجراءات عدة تهدف الى دعم وتعظيم الصناعة الدوائية، شملت منع استيراد (23) مادة دوائية من خارج البلاد، كونها تنتج محلياً، لا سيما أن هذا الإجراء يعطي فرصة لترويج المنتج المحلي داخل البلاد، إذ أرسلت الوزارة تعميماً الى المنافذ الحكومية لمنع دخول تلك المواد الى البلاد، إلا أن المؤشرات تشير الى غير ذلك رغم افتتاح المصنع العراقي للمواد الصيدلانية بعد اعادة تحديث آليات العمل فيه بتكنولوجيا حديثة ومعايير وشراكات عالمية.
تعاقدات جديدة ومنتجات متطورة
وبشأن تطوير الصناعة الدوائية المحلية، يقول مدير إعلام وزارة الصناعة والمعادن مرتضى الصافي، في حديث لـ(المدى) إن افتتاح شركة المصنع العراقي للمواد الصيدلانية وهي إحدى شركات القطاع الخاص، والمتخصصة في إنتاج الأدوية العلاجية والمستحضرات الصيدلانية، في إطار توجه الوزارة والحكومة العراقية إلى دعم وتشجيع القطاع الخاص لكي يسهم في تعزيز الاقتصاد العراقي وتحقيق التنمية الصناعية .مضيفاً: باشرت شركة المصنع العراقي بأعمال إعادة تأهيل مصنع إنتاج الأدوية منذ عام 2012، وفق أحدث متطلبات التصنيع الدوائي الجيد وأحدث أنظمة الجودة العالمية، وبحجم استثمارات بلغ أكثر من (12) مليون دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من (20) مليون دولار خلال عام 2018، بعد إضافة مكائن متطورة وحديثة.
وبيّن الصافي: أن للشركة عدداً من بروتوكولات التعاون مع شركات عالمية رصينة ومعروفة، منها بروتوكول للتعاون مع شركة فار ماكير المالطية المتخصصة بصناعة الأدوية السرطانية، وشركة هالو كاربون الأمريكية المتخصصة بصناعة أدوية التخدير، وشركة هالو ساينسك الصينية المتخصصة بإنتاج أدوية فايروسات الكبد وأدوية السكر الحديثة. مشيراً: إلى أن الشركة تتكون من عدد من الأقسام، منها قسم الأقراص والكبسول والذي تبلغ طاقته الإنتاجية ثلاثة مليارات قرص سنوياً، وقسم الشرابات وأدوية التخدير الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 3 ملايين قنينة شهرياً، وقسم الهرمونات التناظرية (أدوية سرطانية). مؤكداً: إن افتتاح أي مشروع جديد، يعتبر إضافة للصناعة الدوائية، سواء كان عائداً للقطاعين الحكومي والخاص أو المختلط، وأنه سوف يحظى بالدعم الحكومي، عاداً القطاع الخاص قطاعاً فاعلاً، وإن دعم هذا القطاع سيسهم في توفير فرص العمل والحفاظ على العملة الصعبة، وتنمية الاقتصاد الوطني.
ويؤكد مدير إعلام وزارة الصناعة والمعادن: أن الصناعة الدوائية المحلية تحظى بثقة المواطن العراقي واطمئنانه بشكل أكبر من الأدوية المستوردة، مشدداً: على ضرورة التوجه نحو تصنيع المنتجات غير النمطية، وذلك باعتماد المعايير الحديثة وفق رؤية قائمة على استقراء احتياجات السوق ومتطلباتها. مبدياً استعداد الوزارة، لتقديم الدعم والإسناد للشركة من خلال تبادل الأفكار والرؤى، في ما يتعلق بموضوع استهداف الأدوية ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة.
الاستعانة بطب الأعشاب
بدورهم أعرب مواطنون عن تأييدهم وترحيبهم بافتتاح مصانع محلية لصناعة الأدوية والمواد الصيدلانية، عادين إياها بالخطوة الصحيحة والمجدية والتي ستسهم في توفير أدوية بأسعار مناسبة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. ويقول المواطن ستار عادل لـ(المدى) لقد شكّل ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات عبئاً كبيراً على شرائح واسعة من المجتمع، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. متابعاً: أن افتتاح مصانع وشركات محلية لصناعة الأدوية أمر مهم جداً، سيسهم في تقليل أسعار الأدوية، وكذلك يعطي فرصة كبيرة للتنافس مع المنتج الأجنبي.
ويسترسل المواطن: بالإضافة إلى تشغيل الأيدي العاملة، وبالتالي القضاء على جزء من البطالة في البلد، ولكن يجب أن تخضع هذه الشركات والمصانع إلى ضوابط وشروط رصينة تسهم في إنتاج أدوية ذات جودة ورصانة عالمية. مستطرداً: مع اتساع مستوى الفقر وتردي الوضع الاقتصادي وغلاء أسعار الأدوية، يلجأ البعض من المواطنين إلى بدائل للعلاج، كتوجههم نحو طب الأعشاب والذي نشط في السنوات الأخيرة، بسبب إقبال المواطنين عليه وانعدام الرقابة الحكومية.
بدورها تقول الموظفة ميادة محمد في حديث لـ(المدى) إن بسبب ارتفاع كلفة المراجعات الطبية وغلاء أسعار الأدوية، توجهتُ لطب الأعشاب، وهناك عيادات خاصة بطب الأعشاب وبأسعار زهيدة، مقارنة بأسعار الأدوية، مضيفة: أن الكثير من الأطباء يجبرون المرضى على شراء الدواء من الصيدليات يتعاملون معها وفق وصفات مشفّرة، تجبر المريض على شراء الدواء بأيّ ثمن، وهذا ما دفع الكثير من المرضى نحو طب الأعشاب بحثاً عن بدائل علاجية لأمراضهم. عادةً خطوة افتتاح مصانع لإنتاج الأدوية المحلية بالمفرحة والتي قد تسهم في تخفيف العبء عن كاهل المواطن الفقير .
مشكلة المواصفات المعتمدة
عقدت لقاءات واتفاقيات من قبل وزارة الصناعة والمعادن، مع شركات عالمية رصينة متخصصة بصناعة الأدوية، كشركة (BFS) الإسبانية المتخصصة بصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية، لبحث إمكانية عقد اتفاقيات شراكة أو استثمار مع شركة صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء، وكذلك لقاءات مع رئيس شركة كراس فارم الروسية، وأكدت الوزارة حرصها الاتفاق مع هذه الشركة على صيغة التعاقد والاستثمار، لدعم الشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء، وأكد رئيس الشركة الروسية السيد إيليا، أن شركته شهدت تطوراً كبيراً وأضافت خطوطاً ومنتجات جديدة، معرباً في الوقت ذاته، عن رغبة شركته بنقل الخبرات والتكنولوجيا التي تمتلكها إلى شركة أدوية سامراء لتكون في مصاف الشركات العالمية. من جهته يقول المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، في حديث لـ(المدى) إن وزارة الصحة تشجّع على عمل المعامل الخاصة، فهي تخفّف من عملية استيراد الأدوية، وهي تشجيع للصناعة المحلية وتشغيل واستفادة من الخبرات، ولكن السؤال الذي يدور هو هل ستكون هذه الأدوية المصنعة محلياً ضمن نفس المواصفات والكفاءات المعتمدة من قبل وزارة الصحة؟.
وبشأن كيفية معرفة كفاءة تلك الأدوية، بيّن البدر: أن هذا دور جهاز التقييس والسيطرة النوعية وهو خارج عمل الوزارة . مردفاً: أما دورنا يكمن في مختبر رقابة دوائية، بمعنى أن أيّ دواء يُنتج خارج العراق أو داخله فنحن نطبّق نفس الضوابط عليه ويدخل مراحل الفحص والموافقات ذاتها. موضحاً: أن وزارة الصحة لاتستطيع أن تعطي دعماً وأولوية لمصانع الأدوية المحلية، والمهم عندنا هو الكفاءة ونحن نشجّع عمل الصناعة المحلية، ولكن تبقى ضوابطنا صارمة بهذا الخصوص، ونتعامل معها حالها حال أيّ شركة مصنّعة وحتى معمل إنتاج أدوية سامراء فهو يخضع حالياً لنفس شروط الفحص.
يذكر أن شركة صناعة الأدوية في سامراء، قد قامت بزيادة نسبة مبيعاتها خلال العام الحالي، مقارنة بالعام الماضي، وأكدت قدرة ملاكاتها على تصنيع وتحوير الأجهزة والمعدات، وقال مدير عام الشركة المهندس فلاح حسن في بيان صحفي، تلقت (المدى) نسخة منه، إن تحقيق هذه الزيادة في المبيعات جاء نتيجة لتضافر جهود جميع العاملين في الشركة، من أجل ديمومة العمل والإنتاج فيها، على الرغم من وجود بعض المعوقات، منها تأمين توفير المواد الأولية ووصولها في الوقت المحدد، والانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، وكذلك الظروف الأمنية وغيرها، مؤكداً: حرص الشركة على مواصلة التطور ومواكبة الصناعة الدوائية العالمية، من خلال الاستمرار بعمليات التأهيل وفق المواصفات العالمية الحديثة، والالتزام بنظام الجودة العالمية في الإنتاج وتنفيذ توصيات وزارة الصحة.
(60) مستحضراً طبياً جديداً
كما سبق وأن أعلنت الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستحضرات الطبية في سامراء عن نيّتها وعزمها إحداث تغييرات نوعية في اساليب التعبئة والتغليف لأكثر من (60) مستحضراً طبياً، بما يواكب التطور الحاصل في الصناعة الدوائية العالمية . وبيّن معاون مدير عام الشركة الخبير الكيمياوي، ضياء محمد حسين، في تصريح للمركز الإعلامي في وزارة الصناعة والمعادن، أن الشركة حريصة على مواكبة التطور الحاصل في الصناعة الدوائية العالمية للمحافظة على مستوى أدائها وتطويره ومستوى انتاجها النوعي الذي يمتاز بجودته وكفاءته وفاعليته العالية والمنتج، وفق الدساتير العالمية البريطانية والأمريكية، لافتاً في الوقت ذاته، الى أن لدى الشركة الإمكانية لزيادة ورفع الانتاج كونها تمتلك طاقات انتاجية كبيرة وخبرات علمية عالية، إلا أن صعوبة توفر المواد الأولية والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يحولان دون تحقيق ذلك .
وكشف حسين عن عزم الشركة طرح مستحضراتها الطبية بتعبئة جديدة في القريب العاجل، بمايواكب التطور العالمي في الصناعة الدوائية وبأسعار مناسبة تلائم مستوى دخل المواطن العراقي، مشيراً الى أن عملية التعبئة والتغليف الجديدة ستشمل (64) مستحضراً باتباع طرق ميكانيكية تلائم الذوق العام وتسهم في تحقيق جدوى اقتصادية عالية، لافتاً الى أن ملاكات الشركة الهندسية والفنية، أعادت تشغيل ماكنة (ITM) وتغيير طريقة تعبئة مستحضر ستروكران المضاد لحموضة المعدة والتهاب المجاري على شكل أكياس صغيرة (ساشيت) بطاقة انتاجية (3000) كيس بالساعة، بعد أن كان يُعبّأ على شكل قناني بلاستيكية بطاقة انتاجية (1000) قنينة بالساعة، وكذلك سيتم طرح مادة السبتول المعقمّة بعبوات اقتصادية جديدة سعة (1/4) لتر بطاقة (4000) عبوة بالساعة وسعة (1/2) لتر بطاقة (2000) عبوة بالساعة، وكذلك الحال لبقية المستحضرات الأخرى.
على صعيد متصل، حصلت هيئة البحث والتطوير الصناعي احدى تشكيلات وزارة الصناعة والمعادن ومن خلال مركز أبحاث ابن البيطار التابع لها، على براءة اختراع بمجال تأثير مزيج مستخلصات النباتات الطبية المتمثلة بالحلبة وأوراق الزيتون على مستوى كلكوز الدم لعلاج مرضى داء السكري .
وقال مدير عام الهيئة المهندس عبد الغني فخري آل جعفر، في تصريح لمركز الإعلام والعلاقات العامة في الوزارة، إن باحثي مركز ابن البيطار أجروا دراسة لمرض داء السكر المزمن الناتج من عوامل وراثية وبيئية تتسم بارتفاع مستوى الكلكوز في الدم، بسبب النقص المطلق والجزيئي لهرمون الانسولين أو وجود خلل معين يمنع الانسولين من إظهار تأثيره البيولوجي المطلوب .
وأضاف المدير العام، أن الباحثين في مركز ابن البيطار، توجهوا الى استخدام النباتات والأعشاب الطبية في علاج مرض داء السكري المزمن من خلال توليفة من أوراق الزيتون وزيت بذور الحلبة، وبيّنوا أن لأوراق الزيتون قدرات طبية مذهلة، والمادة الفعّالة في الأوراق تسمّى اوليوروبين (OLEUROPEIN) وهذه المادة معروفة بمقاومتها للفيروسات والبكتيريا والفطريات والكائنات الدقيقة الضارة الأخرى، مشيراً الى أن هذه المادة تحمي طبقات الجسم المهمة والاوليوروبين قادر على قتل الجراثيم الضارة التي تقاوم الأدوية المضادة العادية. فيما أوضح الباحثون من جانبهم، أن نبات الحلبة يمتلك أربع مواد فعّالة تخفض مستوى الكلكوز المرتفع، وإن لزيت بذور الحلبة قدرة على خفض مستوى الكلكوز في الدم وبشكل فعّال، كما تعد مصدراً غنياً بالألياف قابلة للذوبان مما يبطئ من عملية الهضم وزيادة امتصاص السكر، الأمر الذي يؤدي الى تقليل مستوى الكلكوز في الدم.
توقف تدفق التيار النقدي
وفي ما يخص الجدوى الاقتصادية، بيّن الخبير الاقتصادي الدكتور ريسان حاتم لـ(المدى) أن الصناعات الدوائية قد أصابها التدهور في العراق خلال السنوات السابقة، بعدما أصاب الاقتصاد العراقي تدهوراً واضح المعالم، انعكس بشكل واضح على كل الصناعات، وبالتأكيد أن الصناعات الدوائية جزء من تلك الصناعات. مضيفاً: أن كانت هناك مشاريع بسيطة ومعامل لصناعة الأدوية، استطاعت أن تلبي ولو جزء بسيط من الحاجة المحلية، وإن افتتاح معامل حديثة لصناعة الأدوية مؤخراً، سينعش ويسد جزءاً من الطلب على الأدوية، وبالتالي سيحافظ على العملة الصعبة داخل البلد. متابعاً: وكما هو معلوم أن السلع المستوردة من الخارج، تقابل بتيار نقدي متدفق من العملة الصعبة، لمواجهة تلك الاحتياجات، وبالتالي كلما قلّت هذه السلع المستوردة من حيث الكم، سوف ينعكس هذا بشيء من الوفرة من هذه العملات إلى خزينة الدولة، وهذا شيء إيجابي يحتسب لصالح القائمين على هذا المشروع.
ويضيف الخبير الاقتصادي: إن كل مشروع يُؤسّس سوف تكون له جدوى اقتصادية ومالية واجتماعية أيضاً، وهذه الدراسة لابد أن تأخذ بالحسبان مايمكن أن يصل به هذا المشروع لامتصاص جزء من البطالة وتشغيل الأيدي العاملة .
كان إنتاجنا المحلي للدواء بحدود (24) معملاً، وبعد غزو المستورد، لم يتبق منها سوى (14) معملاً لعدم إمكانية المنافسة والحصول على عقود تسويقية مع وزارة الصحة، فيما يكتفي معمل أدوية سامراء بإنتاج بعض أنواع الكبسول والحقن والمراهم وقطرات العيون وبعض أنواع الأشربة، ورغم ذلك، نجد أغلب الصيدليات لاترغب بتوفر الأدوية المصنّعة محلياً. الصيدلي أحمد مثنى بيّن لـ(المدى) أن اغلب المراجعين يبحثون عن الأدوية المستوردة ظنّاً منهم أنها اكثر جدوى من المحلية حتى في الحالات البسيطة. مبيناً: أن المنتج المحلي من الأدوية إن كان في القطاع العام أو الخاص، لايسد 10% من الحاجة اليومية. لافتاً الى التراخيص الممنوحة من معمل أدوية سامراء لعدد من معامل صناعة الأدوية، لم تفِ بالغرض المطلوب إن كان بسبب كميات الأدوية المنتجة أو كفاءتها العلاجية.