TOP

جريدة المدى > عام > ياسين النصير: الناقد حارث للأرض وليس زارعاً لها

ياسين النصير: الناقد حارث للأرض وليس زارعاً لها

نشر في: 22 يناير, 2018: 12:01 ص

 بات النقد عملية معرفية بحد ذاتها تصنع النص الآخر الذي يحمل في شتى جوانبه شحنات فضائه ومكانه، وهذا يعتمد على معرفية الناقد وجدية مشروعه ومراحل تطوره واشتغالاته الثقافية المترابطة التي تتيح له انتاج النص الآخر أو لنسميه النص الساند. وفق هذا يعمل الناقد ياسين النصير خاصة في اشتغالاته الجديدة المعنية بالسردية الحديثة التي أخذ النصير يبحث في كل تفاصيلها وشوؤنها، بل يذهب أبعد من ذلك وربما هذا ما دعا عدداً من دور النشر المحلية والعربية الى إعادة طبع سبعة من إصدارات النصير السابقة وست كتب جديدة ..

 تزامن صدور عدد من كتبك النقدية وإعادة طبع أخرى مع نهاية العام الماضي وصل الى قرابة 10 كتب؟ ماسبب هذا التزامن ولِمَ كل هذا التأخر؟
- أتاحت لي العزلة في هولندا التركيز على القراءة المنهجية، وخاصة الفلسفة وكتب الحداثة، وإمكانية الإتصال بمراكز البحوث العربية، والتفرغ كلياً للقراءة وللكتابة، حتى أن وقتي محسوب بالساعات، إضافة إلى التنظيم المكتبي، وتخصيص أكثر من كومبيوتر لعملي، هذه الأسباب وغيرها جعلتني منظماً ومنتجاً، إضافة إلى أن الناشرين انتبهوا إلى أهمية كتبي النقديَّة متأخراً، وأنا سعيد بذلك، لأنَّ كتبي النقدية لا تثير اهتمامات القارئ العادي أول الأمر، بل القارئ المتخصص، وباتساع المنهجية البحثية الأكاديمية وأفق النقد الثقافي، وجد البعض في كتبي أرضية يمكن أن يبني عليها تصوراته النقديَّة، الناقد حارث للأرض وليس زارعاً لها، الكتب التي أعيد طباعتها للمرة الثالثة أوالرابعة أو الخامسة، هي هكذا لم تثر أول صدورها اهتماماً، ومنها “الاستهلال”، و”شحنات المكان”، و”المساحة المختفية”، و”اشكالية المكان في النص الأدبي”، وشعرية الماء” وما “يخفيه النص” و”مدخل إلى النقد المكاني”، وغيرها، ولدي احصائية أولية بعشرات الدراسات الأكاديمية التي تناولت بعض نصوصي وغيرها. أما الكتب الجديدة، معظمها دراسات نقدية خاصة بالشعر فيها تطبيقات منهجية للمكان والفضاء، وهي “المرايا والدخان” عن شعرية فوزي كريم، و”محفة النار” عن شعرية رعد فاضل، و”المخيلة الحسية” عن شعرية هاشم شفيق، و”استنطاق الحجر” عن شعرية جواد الحطاب، و”مملكة الظلال” عن شعرية سلمان داود محمد، هذه الكتب محصلة اشتغال لأكثر من اثنتي عشرة سنة، وأنا شخصياً لا أستعجل النشر، فقد لقيت هذه الدراسات أول الأمر تعطيلا من قبل الناشرين بحجة أنَّ الشعر لايُقرأ إلا من قبل القليل، فكيف بالنقد عنه؟، الناشرين يتعللون بأن السوق تطلب الكتب النقدية المترجمة، وكتب الفلسفة والحداثة، ولكن ما أن أعادت دار نينوى طباعة كتبي ثانية وثالثة ورابعة، حتى انتبهت دور النشر الأخرى لأهمية كتبي، وأنا أشكر دور النشر الست التي تطبع كتبي الآن، وللصدف أنَّها ستصدر كلها سوية هذا العام. من ضمنها ثلاثة كتب ألفتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهي” كلام النص”، و”شعرية الأشياء”، و”شعرية الحداثة” لذا سيشهد هذا العام إعادة طباعة واصدار ثلاثة عشر كتابًا. منها سبعة كتب إعادة طباعة.
 طيب وفق هذا متى سنقرأ كتابات النصير الجديدة، والتي غالباً ما ثير الجدل بطروحاتها المتجددة؟.
- شخصياً أخطط لما أشتغل عليه، ففي السنوات الخمس المقبلة لدي أربعة كتب أشتغل عليها، هي ”حائك الكلام”، و”الرواية محادثة المدينة”، و”سرد المسايرة”، و”الأمكنة والشفاهية”. وقد قدمت خلال السنوات الأربع الماضية محاضرات عنها، وكلها تهتم بالسردية الحديثة، وفيها رؤية نقدية خاصة بي، بمعنى أن “حائك الكلام” سيقلب مفاهيم الراوي والسارد، ويضعها ضمن توصيفات الحداثة المشفوعة بتأسيس نقدي عربي قديم وحديث، وأنَّ “الرواية محادثة المدينة”، رؤية سوسيولوجية لعلاقة الفئات المهيمنة أيديولوجياً وتأثيرها على خطاب الرواية الحديثة، فالمدينة كما أرى تؤلف عبر مؤسساتها الرواية الحديثة، وما المؤلف إلا ناقلاً بذكاء ما تتحدث المدينة به. أما “سرد المسايرة” فهو معني باللا أدبي عندما يدخل النص الأدبي، وهو بحث في المهمل والهامشي والمتروك والثانوي والوثائقي والعادات والتقاليد التي انتجت ثيمات واقوالاً نجدها في متن النصوص السردية والشعرية. أما “المكانية والشفاهية “ فيتناول الأمكنة الشفاهية في الموروث الديني والحكائي منها: الجنة والنار، والكهف، والمغارة، والجب، و الحوت، والبحر، والسماء، وغيرها من الأمكنة التي خلقتها الأديان والحكايات لإتساع العلاقة بين المثيولوجي والديني والغرائبي، إضافة إلى عملي المستمر في كتابي الأساس “الصيانية والتدميرية”.والذي أشتغل عليه منذ ثلاثين سنة.
 ما النقد الحديث؟ لقد إلتبس علينا مفهوم النقد، هل هو تمييز الجيد من الردئ، أم هو حكم قيمة؟ أم هو تأليف آخر للنص؟.
- يلخص هذا السؤال ماهية فلسفة النقد، النقد سؤال معرفي، وليس النقد استجابة لما قيل أو ما يقال، كما أن الناقد ليس موظفاً عن المؤلف، كي يحكم بصلاحية نصه من عدمه، النقد التقليدي يهتم بالنَّص وآليات إشتغاله فقط، ويعلن هذا جيد وهذا رديء، ثم يُخضع الحياة والمجتمع والفلسفة والإقتصاد والثقافة والعلوم لما يقوله النَّص، أيّ أنَّ النقد التقليدي ميدانه الرؤية المحددة بالنص، وليس الرؤية النقدية معنية بحركية الحياة، ولذلك يكون النقد التقليدي قاصرًا في فهمه لآليات تطور الحياة وجدلها. وحين حلَّ النقد الثقافي بديلًا فلسفيًا للنقد التقليدي، أصبحت الحياة بكل شعبها وتنوعها، الميدان الذي ينتج النَّص وقراءاته، ولذلك فما يحدث من ثورة في هذه الحياة، من فلسفات، وتقنيات، واقتصاديات، وحيوات، واتصالات وعمولمة، وأسواق، هو المعني بالنقد الحديث، فالنَّص وحده لا يضيء الحياة، الحياة هي من تضيء النَّص، عبر القراءات النقدية المتعددة له. لذلك كان النقد التقليدي ومايزال ميدانه الدرس التعليمي، الذي يعتمد على تلقين القارئ شروط محتوى النص، ليس مهمة النقد الحديث ماقاله الراوي، أو الكيفية التي يكون فيها السارد حاضرًا أو غائبًا، ضمن الواقع المعاش أو ضمن الميتا المفترض، أو أيَّة أفاعيل نقدية مصطنعة العناوين، مهمة النقد أن يكشف عما يتطور اجتماعيًا وتقنيًا واقتصاديًا وفلسفيًا، النص النقدي الحديث اسفنجة تمتص مايحدث في المجتمع وتفرزه على شكل آراء وأفكار حديثة لبناء ثقافي، من هنا أجد النقد مسؤولية ثقافية واجتماعية وفلسفية، وليست بحوثاً في جودة هذا العمل القصصي والشعري أو ضعفه.
 لم تعد اشتغالاتك النقدية مقتصرة على المكان كما نرى، فثمة اشتغالات أخرى عديدة أخذت تسحب النصير من منطقة نقد كرس لها.
- اشتغالاتي منطلقة من المكان، والمكان في الفلسفة هو مهيمنة الرؤية البصرية، في حين أن الزمان هو مهيمنة السماع، والفرق كبير بين أن تكون الرؤية منهجاَ، ويكون السماع منهجاً، من هنا استوعبت اشتغالاتي ميادين ، شيئاً من الفيمينولوجيا بوصفها طريقة للكشف عن ماديَّة الأشياء، وعن اشتغال الخيال المادي للأشياء. هذا الشغل النقدي لايقف عند نوع من الإنتاج الثقافي، إنَّه يعمم رؤيته ليشمل فنون التشكيل، والعمارة، والنص الأدبي والسينما، والفوتوغراف، والمدينة، والأسواق، والشارع، والبضاعة، والأرصفة، وغيرها، لأنَّها ميادين مكانية تتجسد عبر الرؤية بانشغالها بعلاقات الجسد في العالم. ثمة معرفتان للواقع: معرفة واعية هي التي نعيش في ظلالها، هذا أبيض وهذا أسود، وهذا بيت وهذا شارع...الخ، وهي معرفة من إنتاج العقل العام، بما فيها الحيوانات، فالحيوانات أيضاً تعرف نوعية أكلها والبيت الذي تأوي غليه، وتعرف إنها تلد وتنام وتمارس الجنس وتخاف ولكن كل هذا بمستوى عقل معرفي محدود، وثمة معرفة تنتجها العلاقة مع العالم وهي اللاوعي المعرفي للواقع وللأشياء، والتي توسع من دلالة وجود الأشياء وتفتح الاسئلة عن ماهيتها، أي أنَّ الشارع ليس شارعاً بمعنى الطريق فقط، بل هو بحر المدينة، وهو السابلة، وهوشريان المواصلات، وهو رسالة بين مناطق الإنتاج ومناطق الإستهلاك ، وهو الشرعة التي تسن للناس طرائق العمل والعلاقات، وهو منهج في تنظيم المدينة، وهو قانون لنظام الحياة اليومية، وهو علاقات بين مفاوز وسبل، وهو سوق نقدية وتصريف أعمال، وتواصل مع العالم، وهو طريقة للحياة وهو رسالة للسائح وللمتجول،...الخ، إذا فهمنا أن الشارع هو هكذا سيكون اللاوعي المعرفي الميدان الفلسفي والواقعي للنقد، الذي لايتعامل مع أشياء الواقع بعقلية جامدة أو برؤية أحادية، بل عقلية تأويلية هيرمينوطيقية، وعندئذ لا تجد نوعاً من الأشياء لايشمله اللاوعي المعرفي.في ضوء ذلك تعددت إشتغالاتي النقديَّة، ولدي كتابان يختصان بهذا المنحى هما”شعرية الأشياء”و” كلام النص” وفيها أجد شيئاً من السيرة الذاتية لعلاقاتي مع أشياء الحياة اليومية.
 كتاباتك الجديدة هي الجامع بين الناقد الأدبي والثقافي وإعادة قراءة (الاجتماعية العراقية) بمفاهيم ثقافية أخذت تتسع هل يمكن عدها ثورة على الكتابات والإصدارات السابقة؟.
- بالفعل أنها ثورة أسلوبية ومعرفة منهجية على كتاباتي النقدية السابقة، بالنسبة لي أنا أتجاوز نفسي في كل كتاب جديد، أُراقب أخطائي وأعترف بنواقص منهجيتها، ولذلك أنا دؤوب في عملي اليومي من أجل تصويب ما اختل في منهجي وممارستي النقدية، أما بالنسبة لزملائي النقاد، فالأمر متروك لهم في التطوير، ولكني أشعر بخيبة واضحة ، أنهم يتجاهلون البعد الفلسفي في نقودهم، ويركزون على ما يقوله النَّص فقط، في حين أنَّ النَّص هو تحصيل جدلية علاقات المجتمع والثقافة والفلسفة والحياة اليومية. النقدية الحديثة هي الجمع بين الفلسفة والثقافة والرؤية السوسيولوجية المنفتحة، وفي مجتمع مثل مجتمعنا العراقي المركب والمتداخل الثقافات، يجد الناقد الحديث أرضية خصبة في إثراء رؤيته النقدية، لذا فالإجتماعية العراقية تجد نفسها ليس في النصوص فقط، إنما في رؤية الناقد فلسفياً لعلاقة النصوص بالحياة. بعيد صدور كتابي الرواية والمكان عام 1980 لم يعرف النقد العراقي والعربي أيَّة أهمية للمكان في بنية النص، صحيح كانت مساهمتي بسيطة وبآليات نقديَّة عادية، لكنها فتحت مجالاً مبكراً لا يمكن تصوره اليوم في حجم الدراسات النقدية والاكاديمية للمكان وللفضاء، لذلك أعتبر أنَّ بداية الوعي بالنقد الجديد بدأت من تثوير حاسة المكان، وأنت ترى، وكلنا يرى: أن المكان أصبح ثيمة نقدية وفلسفية شاملة، واتسع تأثيرها بعد ترجمات الدراسات النقدية الحديثة. إني أتحدث أيضاً عن النصوص الإبداعية العراقية التي أولت المكان والفضاء اهتماماً، لقد بدأ المؤلف العراقي يعي دور المكان في بناء نصه، بعدما كان المكان مجرد وعاء بلا هوية، النصوص الإبداعية العراقية بدأت تستنطق المكان، وتتحسسه، وتكتشفه، فالمكان العراقي تحمل أعباء حروب وتدمير هائل غيّرت من هويته وطبيعته، ومن يقرأ شارع الرشيد قبل الحروب ويقرأه بعدها يجد إن الخلل الذي حدث فيه أثّر على اقتصاد وفلسفة وعمارة العراق كله، كما أثر ذلك على طبيعة التجارة وأخلاق السوق ونوعية البضاعة وضياع الصدق والتقنية والجودة. لقد فرزت النصوص الحديثة للمكان العراقي شخصية مهمة في بنية النص، وأصبح المكان من المفكر به بعد أن كان من اللامفكر به. حقيقة اعتبر النقد الحديث الذي يعتمد الفضاء والمكان ثورة معرفية، قبل أن يكون مجرد كتابات نقدية عن النصوص.
 تحوّل النقد الى بيئة معرفية منسجمة مع تحولات العالم الحديث وأقصد هنا (العالم التكنولوجي) وتطوراته غير المتوقفة فضلاً عن التداخل بين الأجناس والفنون والذي هو الآخر وصل الى مدى مثير، وفق ذلك هل يمكن كتابة (نص) نقدي مستقل ؟.
- إشكالية النص هي إشكالية الإنسان الحديث، نحن نعيش في قرية تكنولوجية معقدة، وفي الوقت نفسه نعيش الفردية، بمعنى ثمة استقلالية للفرد وسط عالم إجتماعي معولم ومعقد، هذا الأمر فرضته العولمة، ولايمكن العيش بدونه، أمّا إننا نفكر بأن الثقافة هي إنتاج بيئة، أو مجموعة متجانسة، أو أيديولوجيا مهيمنة، فهذا الأمر إنتهى، لأن المجتمعات الحديثة متجزئة، ومفككة، بمعنى إنَّها ما عادت ببنى صيانية متماسكة وكلية، الفكر التدميري الثوري والبنائي هو محصلة ما ينتجه المجتمع المجزأ المعاصر، وليس المجتمع الكلي البنية، لهذا ولغيره، إهتم العالم بالثقافات المهاجرة والهامشية والمتنحية، وبالمثيولوجيا ، وبالمصدريات المسكوت عنها، وبالعودة إلى الحكايات الصغرى حسب ليوتار، والبحث في البواقي والهوامش وشظايا الحدث، الرؤية النقدية للعالم رؤية بحثية، تدقق في الأشياء الثانوية بعدما كانت لا ترى إلا الصراعات الطبقية الكبيرة، وحياة الأسر الكبيرة، والأفكار الاجتماعية الشاملة. نحن نعيش في عالم الحديقة البيتية، التي تحيط بالبيت، وأول مانفكر فيه هو بنية السياج، فكل ما يسيج هو محدد”حديقة”، وكل مالا يسيج فهو بستان، عالمنا اليوم عالم الحدائق ، أي الأجزاء المكتفية بذاتها، وبعموم الأجزاء ومجاوراتها تتشكل رؤيا البستان الكوني، الذي .يكون للفرد فيه مكانته. لذلك ليس النَّص معني بالبنية الكلية، النَّص استجابة لجدلية الحياة المعاصرة، معني بالبنى الجزئية، لذلك تجد فيه التداخلات الأسلوبية والمعرفية والحداثة على أتم الوضوح، ولأنَّه رؤية بصرية أكثر مما هو رؤية سماعية، نجد المكان هو الأرضية التي تنبت عليها كل بذور الحداثة.
 النقدية العراقية اليوم تخطو نحو صدارة النقدية العربية باشتغالاتها الحديثة الى ما تحسب ذلك رغم أن الفرص المتاحة للناقد العراقي ليست كمثيلاتها في البلدان العربية الأخرى؟.
- ما يعوز النقدية العراقية، هو أن تتبنى مؤسسة ما اطروحات نقادنا ما بعد الأكاديمية، أي ما بعد اطروحاتهم للتخرج، لدينا نقاد أكاديميون جديرون بان يكتبوا في مختلف العلوم المعرفية بطريقة حديثة، نحن نقرأ الآن عيون الدراسات النقدية والفلسفية لنقاد مغاربة، هي في منتهى العلمية والإنفتاح على الحداثة، لأنَّ ثمَّة مؤسسات تبنّت مابعد اطروحاتهم، تبنّت مشروعاتهم الفلسفية والنقدية، الناقد العراقي لا تعوزه الخبرة، وإنما تعوزه المؤسسة، والجامعة العراقية معنية بتخريج مدرسين وليس مفكرين، كما أنَّ دورها ثانوي في بنية المجتمع العراقي، وصيانيٌ في طروحاتها الفلسفية، لأنَّها تابعة لمؤسسة الدولة، وتمول من قبل أحزابها، وليست الجامعة مستقلة الفكر. حقيقة أعول شخصياً على النقاد الأكاديميين الجدد، الذين يملكون رؤية فلسفية ونقدية حديثة، ولكن ليس مكان طروحاتهم الدرس الأكاديمي، إنَّما في تبني مشروعاتهم خارج الدرس، و هو ما عليه معظم ما نقرأ من كشوفات الحداثة. عربياً وعالمياً. أما عن النقاد الآخرين، وأنا من ضمنهم، فسعينا ذاتي، محفوف بالمخاطر والتجريب المستمر، وربما الخروج على التقاليد النقدية الأكاديمية، ونحن لا نشكل فئة متجانسة، بقدر ما تكون إسهاماتنا محاولات في البحث والتجربة. ومع ذلك، يجد الناقد العراقي إنه قد حقق الكثير قياساً لنقاد عرب من غير النقاد المغاربة، ويعود جزء كبير من تخلف الناقد العراقي لكارثة الحروب التي أبتلي العراق بها، ولسهولة منح الإجازات في التدريس الأكاديمي، وعدم مواصلة الاستاذ بعد نيل الشهادة مسعاه المرتجى منه.
 هل تغني الملتقيات الثقافية الدرس النقدي الحديث؟
اعتقد بصواب هذا الرأي، ولكن إلى حدود معينة، ما نراه أن تقتصر الملتقيات النقدية على محور محدد سنوياً ،وليس على عدة محاور، وأن يشفع الملتقى بتوصيف نقدي مسبق، كي يعرف المساهم فيه دوره وهوية اشتغاله، أيّ لايترك الملتقى للأهواء وللآراء الطارئة والآنية، وان يبلغ المعنيون به قبل ستة أشهر في أقل تقدير.وأن يُمنح المشارك ما يليق بالبحث من جهد ومسؤولية. وفي ثقافة مثل ثقافتنا التي لم تستقر على منهجية ثابتة نتيجة الاضطرابات السياسية والاجتماعية، بحاجة إلى شيء من التنظيم، والملتقيات جزء من مسؤوليتها تنظيم المعرفة وبدون التنظيم الصارم للمعارف لا يمكن إنتاج معرفة يُعتد بنتائجها، في السنوات الأخيرة ثمَّة نهضة تنظيمية واضحة للملتقيات، ولكنها لم تأخذ بعد مداها العملي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram