في كل صباح يتوزع أصحاب البسطيات على أماكنهم المعتادة والعمال يصطّفون على الرصيف بانتظار فرصة عمل، ورغم أنهم اعتادوا التفجيرات، لكنَّ أياً منهم لم يخطر بباله إنَّ هذا الهدوء وانخفاض نسبة التفجيرات بالسيارات المفخّخة، سيخرقه انتحاري يترك ضحاياه موزّعين في ساحة الطيران وكأنهم حمامات جدارية فائق حسن..
هل بالإمكان أن يتصور أيٌّ منا ماذا يعني أن يخرج أب لخمسة أطفال بعربته وبعد ساعة يهرعون للبحث عن جثته التي ابتعدت عن عربة معيشة العائلة، التي هي الأخرى ما عادت صالحة للعمل، هل يمكن أن يتصور أيٌّ منا أنّ عامل بناء ترك عائلته في أقصى الجنوب بحثاً عن عمل شريف يعيل به عائلته، وحين يتنفس الصعداء بيوم عمل بعد ركود لمدة أسبوع، يسرقه الموت!.
الحكومة كعادتها، تقول إن هناك خلايا نائمة وإنَّ الجهود الأمنية تبذل للقبض عليهم، وإنّ هذه التفجيرات رد فعل على النجاحات الأمنية وتحرير الأراضي العراقية، فيما تتجاهل الفساد الذي ينخر المؤسسة الأمنية والخروق الكبيرة التي تشهدها، وفي ذات الوقت، تبقى على إجراءاتها الروتينية بعد كل تفجير، زحام بالسيطرات وتفتيش هنا وهناك، وبعد حين أي بعد يومين بالكثير، تعود الإجراءات الى سابق عهدها (منين جاي وين رايح شايل سلاح).
ردود الفعل الشعبية حول تفجيرات ساحتي عدن والطيران، لم تكن بعيدة عن واقع الحال، فالفقراء نعوا بعضهم البعض والساسة كتبوا بيانات الاستنكار ودعوات التكاتف، ورجال الدين دعوا الى رصّ الصفوف، لكن عوائل الشهداء ستبقى تنتظر من يعوّضهم ومن يربت على أكتافهم..
صفحات التواصل الاجتماعي بعضها انشغل بنشر صور الضحايا، وكيف لعب الموت بها ورماها هنا وهناك، وآخر نقم على الطبقتين السياسية والدينية، وكلٌ شخص حسب طريقته، لكنْ ثمّة حالة، أشار إليها أحد الناشطين الذي تواجد في مكان التفجير بعد ساعة تقريباً، وشاهد أحد ضباط قوات الأمن المكلفة بإجراء التحقيق يلتقط (سيلفي) في مكان الحادث الملوّن ببيع دم الفقراء وضحايا الاحتراب السياسي والطائفي...
عامل النظافة عبد الباسط، الذي اشتهر بعد استشهاده بالتفجير، والذي نجا من تفجيرات سابقة، لكن الذي يبدو أنه ضجر من تنظيف الساحة من بقايا التفجيرات السابقة، وربما كان يعمل في أماكن أخرى حدثت فيها تفجيرات، لذا قرر أن يرحل ويترك المهمة لمواطنٍ فقير آخر.