TOP

جريدة المدى > عام > (الباب الرابع) لجمال نوري أثر الحرب والحصار والنزوح

(الباب الرابع) لجمال نوري أثر الحرب والحصار والنزوح

نشر في: 18 يناير, 2018: 12:01 ص

تمتد أحداث قصص (الباب الرابع) إلى فترة زمنية ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق وما بعده بطريقة توحي للقارئ أنه أمام مشهد واحد تتصل أجزاؤه بانتظام وتناسق مرعب. ومصدر الرعب هنا هو الحروب وما جرته من مآسٍ على أبناء شعبنا المقهور. ولعل قصة (الجندي) تلخص هذه المسألة برمزية عالية فالجندي العائد من جبهة القتال يرفض أن ينزع ملابسه الخاكية عند معاشرته زوجته قائلا لها: "سأبقى بهذه البدلة كي أزرع في أحشائك جنديا صغيرا سيلتحق بحروبنا الكثيرة القادمة". وبذلك فإن الكاتب يوحي بأن صناعة الحروب آلية مقدرة لهذا البلد ويحمل المسؤولية بالطبع للطبقة السياسية الحاكمة قبل الاحتلال وما بعده.ومع ذلك فقد وضع القاص جمال نوري في مستهل مجموعته القصصية قصة توحي بالتفاؤل على الرغم من صور الدمار التي خلفتها الحروب وتأثيرات الحصار وهي القصة التي تحمل عنوان المجموعة (الباب الرابع) ومنشأ التفاؤل في هذه القصة أن الكاتب يرسم الثقافة والقراءة باباً للولوج نحو المستقبل الزاهر للبلد ، حيث أن الصبي الذي يعاني مع عائلته من آثار الحرب والحصار لا يرى في كل هذا الخراب سوى صندوقاً مليئاً بالكتب – وكأنه يحتوي على كنز ثمين – يقبل عليها ويقرأها بنهم بالغ. إضافة إلى أن الأب الذي يرجع من جبهة القتال قد اعتنى كثيرا بهذه الكتب ورتبها في هذا الصندوق حفاظاً عليها من عبث أولاده. ولكن ولده النجيب أثبت أنه يستحق هذا الإرث الثقافي الذي ستتوارثه الأجيال من بعده تواصلاً مع تاريخ العراق المنتج للحضارات والثقافة. وما يلفت حقا أن غلاف المجموعة القصصية قد صمم على شكل رفوف كتب مهملة بما لا يتوافق مع مغزى الرسالة التي يريد الكاتب إيصالها للقارئ عبر قصة "الباب الرابع". ولكن ربما أراد المصمم الإيحاء بأن الثقافة مهملة ويعمها الخراب نتيجة لما أحاق بالبلد من حروب وحصارات.

يهتم الكاتب في قصصه المتنوعة بهموم الناس من جراء الحصار مثل "ابتسامة ناقصة" و"عظام" وقصص أخرى متماهية مع قصص الحرب والتي تمتد في تاريخها لعقود من السنين مثل "مطر أسود" و"الدمية" و"العودة" و"إطلاقة" و"عيون" و"ماراثون" و"قرطاسية" و "هل أنت متأكد؟"، وقصص النزوح مثل "أقفاص" و"أسئلة". أما القصص التي تهتم بالسياسة بشكل عام فتأخذ أبعاداً مباشرة أحياناً وترميزاً سياسياً أحياناً أخرى مثل "كلب مسعور" و"الكرسي" و"وجوه" و"بصاق" و"الأصبع" و"القسورة" و"سيرة عصا". أما القصص المتبقية فتتوزع بين القصص العاطفية والاجتماعية والأمور العامة .

إضافة إلى قصة (الجندي) التي اختصرت رؤية الكاتب السياسية وموقفه تجاه الحروب نلتقط الرؤية الانسانية التي توحي بها قصة (قرطاسية) والتي صاغها الكاتب بلغة بسيطة ودقة فنية عالية. فالرجل الذي دمرت الحرب بيته وقتلت كل أفراد عائلته يواظب على شراء القرطاسية لأولاده كل موسم دراسي تماماً مثلما اعتاد ذلك في سنوات ما قبل الحرب.

تبرز قصة (وجوه) في الترميز السياسي فهي على بساطتها تدين السياسيين الانتهازيين الذين يتلونون مع كل عصر أو توجه سياسي. كذلك قصة (قسورة) والتي تلخص مسألة سقوط الحكام الطغاة برمزية عالية. ويبدو أن الكاتب قد تأثر بإحدى قصص إرنست همينغواي وأظنها (ثلوج كليمنجارو) في وصفه لحلم الأسد بالبراري المشمسة الخضراء بينما يصف همينغواي بطله بأنه يحلم بشواطئ أفريقية المشمسة والتي تمرح فيها الأسود. والترميز السياسي الأكثر فنية يتمثل في قصة (سيرة عصا) حيث يتركز السقوط السياسي في رمز الطغاة وهي العصا التي يكسرها التلاميذ ويرمونها في سلة المهملات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram