بعود المخرج اليوناني بفيلمه (قتل غزال مقدس) الى الأفكار التي قامت عليها أفلامه السابقة، حتى لكأننا نتخيل انه يعمل فيلماً واحداً وتعدد هذه الأفلام هو من باب التنويع في الفكرة والاسلوب وإن اختلف الموضع والممثلين.
وتحديداً منذ فيلمه (سرطان البحر) الذي عرض قبل عامين ونال عنه جائزة التحكيم في مهرجان كان، يمارس لانثيموس لعبته الإخراجية، حيث تأخذ قصة الفيلم والسيناريو مقاس هذه اللعبة، الغموض، والرعب أحياناً، وعدم اتضاح الفكرة إلا بعد أن تقطع مسافة من الأحداث.
في فيلمه (سرطان البحر) أقام مايمكن تسميته (الديستوبيا) في تصور مستقبل معتم لمجتمع يقوم بالعزل على أساس العاطفة، الحب، الوحدة، غرائبية محسوبة وسريالية مفهومة من جهة رسم الواقع ليبدو مفهوماً على ما يحمله من تشوهات. فبين المشهد الأول لامرأة تنزل من سيارة وتطلق النار على حمير الى المشهد الأخير حيث الرجل وهو يترك حبيبته تنتظر في ركن من المقهى للذهاب الى (التواليت) وهو يحمل سكيناً، كان قد طلبها من عامل المقهى، ينسج المخرج أحداثه التي تحيلك إلى ديستوبيا جورج أرويل أو الى غرائبية كافكا.
المكان غير محدد، مدينة وغابة وفندق يطل على البحر وكأنه يرسم اطار الحكاية بسرياليتها وغرابة أحداثها.
دافيد كولين فاريل (الممثل نفسه في فيلمنا هذا) يعاني الوحدة نتيجة هجر زوجته له، ندخل معه الى الفندق بصحبة أخيه الذي عايش التجربة وتحول الى كلب!، لنتعرف على شروط هذا المكان الذي يؤوي من يبحثون عن شريك والذي تقضي الشروط فيه أن يمنح 45 يوماً ليجد هذا الشريك، وبخلافه سيتحول الى حيوان يختاره هو.. أمام موظفة الاستقبال نعرف إن الحيوان الذي يريد دافيد ان يكونه هو جراد البحر.. لتسأله بدورها عن السبب في اختياره رغم أن اكثر رواد الفندق يختارون الكلب يقول : لأنه معمر ويعيش 100 عام وذو طاقة جنسية هائلة ودمه أزرق كالنبلاء.
مشتركات كثيرة بين الفيلمين حيث يطل علينا من جديد الكاتب والمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس بفيلمه المثير قتل الغزال المقدس، الذي يعرض قضية نفسية معقدة استوحيث من الاسطورة القديمة ايفيغينيا.يرتبط مراهق غامض بعلاقة صداقة مع عائلة في ضواحي المدينة، يلي ذلك أحداث مرعبة في هذه القصة الخيالية المثيرة.
فيلم "قتل غزال مقدس" يستمد فكرته من مأساة «أجاممنون» بضرورة التضحية بابن أو ابنة، فى الأسطورة الأصلية سيكون ثمن قتل إفجينيا هو أن ترسل الإلهة أرتيميس الرياح فتحرك سفن أجاممنون إلى حرب طروادة، يضحى الفرد لكي تنطلق الجماعة.
يؤدي النجمان كولين فاريل ونيكول كيدمان دوري الدكتور والسيدة ميرفي العائلة التي تنعم بحياة هادئة في منزلها في طرف المدينة وتعيش بأمان مريح مع والديهما المراهقين لكن حياتهم تضطرب وتصاب بالرعب عندما يقحم المراهق مارتن نفسه في العائلة ويبدأ بممارسة انتقام مروع ضد الدكتور ميرفي والاشخاص العزيزين على قلبه ويرجع السبب في هذا الانتقام الى حادثة قديمة عدت في طي النسيان.
يؤكد هذا العمل الفني الرائع الذي لا ينسى على السمة المميزة لاسلوب يورغوس لانثيموس من حيث غموضه المميز والملفت في التعبير عما يشعر به وفي الوقت ذاته يغوص الفيلم في أعماق النفس البشرية.
يرى يورغوس لانثيموس إن الافكار الرئيسة التي ركزعليها عند تأليف قصة فيلم "قتل الغزال المقدس"، هي العدالة والانتقام والايمان والاختيار وكذلك العجز عن التمييز بين الصواب والخطأ عند مواجهة معضلات شديدة في الحياة.