في 21 كانون الأول من كل عام يحتفي الوسط الثقافي الاميركي بذكرى وفاة الكاتب الروائي والقاص والسينارست فرانسس سكوت فيتزجيرالد التي كانت في هذا اليوم من عام 1940.
اشتهر فيتزجيرالد بروايته المهمة (غاتسبي العظيم ) التي انتجتها الشاشة الفضية بأخراج باز لورمان,وقدم شريطها السينمائي في مهرجان كان عام 2013 بنفس الاسم,وكان الفيلم من بطولة ليوناردو دي كاريو وكاري موليغان ,فيما كانت الموسيقى التصويرية لكريغ أرمسترونغ.
كتب فيتزجيرالد أعمالا قصصية كثيرة خلال حياته القصيرة التي لم تتجاوز الأربع والأربعين عاماً(21 أيلول 1896-21 كانون الاول1940) وقد أطلق هو على جيله (جيل الجاز ) وأطلق على جيله أيضاً وصف الجيل الضائع الذي عاش الحربين العالميتين.
بنجامين بوتون
قصة (الحالة المحيرة لبنجامين بوتون) نشرها فيتز جيرالد عام 1921 وقد جمعت بعد ذلك مع قصص قصيرة أخرى وطبعت كمجموعة من ست قصص تعيش أجواء متشابهة ,أكثرها غرابة هي قصة بنجامين بوتون التي اختارها المخرج دافيد فينشر ليقدمها في شريط سينمائي غرائبي بنفس العنوان بطولة النجم براد بيت وكيث بلانشيت ,وقد انتج الفيلم عام 2009
وبالرغم من أن القصص الخمس الأخرى تتعلق بنفس الأفكار العامة لسردية(الحالة المحيرة) من تفكير بالموت والحياة وصراع الإنسان الأزلي من أجل البقاء المموّه الذي لا بد أن ينتهي يوماً,إلا أن(الحالة المحيرة) تختلف عن السرديات الأخرى بطرحها الغريب لتشكلات الجسد الانساني وتحولاته كما سنرى,وهي تشكلات تقف بمواجهة تجربة ابداعية سابقة للكاتب والشاعر الانكليزي أوسكار وايلد الذي قدم لنا رائعته ( صورة دوريان غراي) التي تم انتاجها كشريط سينمائي عام 1945 باخراج البيرت اوين وتمثيل جورج ساندرز وبيتر لوفورد ودونا ريد,ثم أعيد انتاجها سينمائيا عام 2009 باخراج أوليفر باركر وتمثيل بن بارنز وربيكا هول وكوليت وست,وهو عام انتاج(الحالة المحيرة ) ,لكن دوريان غراي الذي يشيخ تدريجيا عند(جسد) اللوحة المرسومة له حتى حين ,يظل شاباً حتى لحظة طعنه اللوحة فيعود شيخاً ميتاً وقد ارتد خنجره الى صدره, في وقت نجد أن (باتون ) يعيش حالة متعارضة كما سنجد.
تقوم فكرة الحالة المحيرة لبنجامين بوتون على مرض يصيب جسم بوتون حيث يولد صبياً لقيطاً وهو في جسد في عمر الثمانين , متهالكاً ضعيفاً,وكأنه مصاب بمرض (الشياخ ) أو الشيخوخة ,وما اصطلح عليه طبياً اليوم بمتلازمةهتشتن كلينورد أو متلازمة بروجيريا ,وهو مرض يصيب مجموعة من المولودين حديثاً ,لكنهم لا يستطيعون النمو جسدياً ويظلون بمستوى عضلي وعقلي متدنٍ حتى يصيبهم الموت المبكر..كما دلت الابحاث الطبية الحديثة.
متلازمة فيتز جيرالد التي منحها لبطله (بوتون ) في هذه القصة التي حولها المخرج دافيد فينشر الى شريط سينمائي عام 2009 لا تشبه متلازمة الشياخ أو (الشيخوخة ) لكن مع تغيير مبدع,ذلك أن بنجامين بوتون , يولد شيخاً ويكبرفيغدو صبياً ثم مراهقاً ثم رجلاً متكامل الشكل والجمال (مثل مرحلته النجم براد بيت) ثم يعود فينحدر الى الصبا ثم الطفولة حتى يموت بحضن حبيبته رضيعاً !
الحياة لدى(بنجامين ) تسير عكس عقرب الساعة,تماما مثل ساعة صانع الساعات الأعمى غاتو (مثل دوره أ.كوتيز ) الذي صنع ساعة محطة قطار نيو ارلينز عندما جاءه خبر مقتل ولده في الحرب فجعل عقربها يدور بالعكس بحيث تغدو الحياة فيها مثل حركة الحياة لبنجامين بوتون.
تبدأ أحداث الفيلم في آب2005 حيث كانت ديزي 81 عاماً(كيث بلانشيت ) تحتضر في مستشفى نيوارليانز وأمامها ابنتها كارولين 37 عاماً(مثلت دورها جوليا أرموند) وهي تحكي لها حكاية صانع الساعات,ثم علاقتها بحبيبها بنجامين بوتون , فقد ولد بنجامين لقيطاً رباه عاملا الخدمة في المستشفى(كويني وزوجها نيون ) وكان شيخاً في جسد رضيع تغيره دورة الحياة التي رسمها فيتز جيرالد الى صبي حسن الصحة ثم الى مراهق ثم الى رجل يعمل بحارا ويخوض الحرب الأولى وينجو من الموت ويعود الى حضن حبيبته حيث يتهالك جسده من جديد ويصغر عائداً الى مرحلة الطفولة ثم الوفاة .
للفيلم تفاصيل كثيرة جسدها أداء الممثلين على وفق خطوط السيناريو التي رسمها السينارست أريك روث واختيار زوايا العمل من قبل المخرج وأبداع صانع المؤثرات التصويرية للمصور كلوديو ميراندا .
ان صورة الحياة المتعاكسة التي تدور على عكس المنطق الفيزياوي للجسد الانساني صنعت لنا هذه المعجزة الفنية التي رسمها بقلمه فيتز جيرالد بخياله الجامح وجسدها المخرج دافيد فينشر وفريق العمل الذي ساعده على تجسيد أحداث الشريط المبهر.