أنْ تحيا حياة عاقلة، خالية من المتع واللهو والمغامرة لهو السخف بعينه، حياة أقبح ما فيها أنك تضطر الى سرقة متعتك من لقمة عيالك، وعيالك صابرون محتسبون، يظنون بك الخير والحنو، ولا أعتقد أنَّ حياتنا في العراق إلا ضمن السياق هذا، إن اشتريت بذلةً جديدةً، حذاءً أعجبك، هاتفاً نقالاً، أو علبة حلوى، فذلك مما تقتطعه من تكاليف حياتهم، لذلك ستحيا الحياة العاقلة تلك، تمشي وئيداً، تقلل من الذهاب الى المقهى، وتقنن عدد كؤوسك، ومثل ذلك، تغض الطرف عمن يتطاول عليك أو على أحد منهم، لأن ذلك سيكلفك من المال والاعصاب ما لا طاقة لك به. لا تسهر ولا تسافر، ولا تتأخر في ليل، ولا تفتح الباب إلا لمن تأمن، لأنك لن تظل بلا خصوم الى الأبد. تتقطع أنفاسُك حسرات أمام المحال التجارية والمولات الجديدة، وتغيّر من وجهة سيرك بعيداً عن المطاعم الفاخرة، التي باتت تغطي الضفة الشمالية لنهر الخورة بالكامل. أهذه حياة، أم كيس سنوات لا معنى لها؟
في الصباح تفزعك قرقعة المركبات، خبّاطات الاسمنت، شاحنات نقل الرمل والطابوق والحصى الذاهبة الى مقالع الزبير والدريهمية. عمّال صخابون، ملثمون وغير معروفين، بأحذية مطاطية طويلة وسوداء، أخذوا مجالسهم أعلى الخشب والحديد، تفتح النافذة فتراهم في ساعة الفجر الأولى، هم مثلك، فقراء ومكدودون، لكنهم يطلون على بيتك من شاهق، فلا تحسن الظن بهم، لا يبالون بوحشتك في الظلمة، ولا يراعون لك هدأة، أنت بحاجة لها، يسخرون منك إن طالبتهم الهدوء، وقد يتطاولون عليك إن عنّفتهم. وحين تظن أنكَ ستنعم بخيوط الشمس الاولى، بأغنية ما بعد القهوة والحليب، بتصفح بريدك على الماسنجر والواتس آب، يكون بائع العتيق قد توقف أمام بيتك، وعبر مضخم الصوت صارخا بك:"ماطورات للبيع، بطاريات للبيع، طحين للبيع، مكيف عاطل للبيع، فافون للبيع.."تغلق الأغنية وتكفئ فنجان القهوة وتكفر بالشمس.
مضت أشهر ثلاثة وأنت تحاول كتابة قصيدة جديدة، ومضت سنة كاملة أو نحو ذلك وأنت تروّض نفسك أمام المرآة، تقنعها بأنك ما زلت بحاجة الى تبديل طقم أسنانك، ذاك الذي لم يحسن الطبيب الآذري صنعه، ومضى عقد وأنت تكذّب الطبيب، الذي أكد لك سوفان الرقبة وتصالب الفقرات العنقية، ومثل ذلك تحاول ألا تنظر الى تحليل الدهون والكوريسترول وتضخم البروستاتا، تستبدل نظارتك وتتناسى الصداع الذي يعاودك بين الفينة والاخرى.. أمّا يبلغن عندك اليأس أكبره وأعظمه، فذلك ما لا تتحدث فيه مع أحد، ها، أنت ترتضي بنصف الحلول، نصف الاسئلة ونصف الأجوبة، فتؤخر موعد الطبيب، وتهمل إرسال ابنك الى مدرسة خاصة، ترجئ تسديد قائمة الكهرباء، وتقترح صيغة أخرى للضجر واليأس، ولأنه صديقك، فقد تغاضيت عن دفع قسط الثلاجة، ولأنه من الأقربين، لم تجعله في قائمة اهتماماتك، ابن عمك الذي عرض بيته للبيع.
الحياة العاقلة تلك، هي اسخف ما تتمناه ياطالب، ذلك لأنك ابن النزوع الحر، ابن المنى المستعصية، ابن الاسى الخالد، ذلك لأنك أنت الشاعر، أنت المختلف، لكن دعك من هذا الهراء، فلست من ذلك بشي، حتى تخرج عن يمينك وشمالك وأمامك وخلفك، ظاهرك وباطنك، وتموت الميتة التي أردتها لنفسك، لا الحياة العاقلة السخيفة هذه.
حياة عاقلة سخيفة
[post-views]
نشر في: 16 يناير, 2018: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أم رشا
الأخ الكاتب كل ماتمر به انا عانيت منه بشكل أكبر حيث أنني ارمله وأم لاربعة اناث وكنت اسكن في أحد المناطق الجيدة في بغداد ليس لي مصدر رزق سوى دخل بسيط لا يكفي سوى المتطلبات الاساسيه ومع هذا لم يكن يهمني شئ في الدنيا سوى الحفاظ على سلامة بناتي فكل طرقة على