اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تقارير عالمية > أليف شفق: من المحزن أن نرى أن الدول لا تتعلم من أخطائها

أليف شفق: من المحزن أن نرى أن الدول لا تتعلم من أخطائها

نشر في: 17 يناير, 2018: 12:01 ص

تتحدث الروائية التركية أليف شفق في هذه المقالة عن روايتها لقيطة اسطنبول بمناسبة اختيارها رواية الشهر في محطة البي بي سي:
عندما طلبت مني القناة الرابعة لراديو بي بي سي التحدث عن روايتي لقيطة إسطنبول ، وجدت نفسي أتحدث عن المسار الثقافي والسياسي في وطني الأم، تركيا، خلال السنوات التي انقضت منذ نشر الكتاب.
ظهرت الرواية في تركيا في عام 2006. وهي تحكي قصة عائلة تركية وعائلة أرمنية أميركية،و معظم أحداث الرواية تسردها أربعة أجيال من النساء. وهي قصة عن أسرار الأسرة المدفونة، وتابوهات السياسة والجنس، والحاجة إلى الحديث عنها، فضلاً عن الحديث عن الصدام المستمر بين الذاكرة وفقدان الذاكرة.و تركيا، بشكل عام، هي مجتمع يعاني من فقدان الذاكرة الجماعي.
بعد فترة وجيزة من نشر الرواية ، تمت ملاحقتي قضائيا بتهمة "إهانة القومية التركية" بموجب المادة 301 في القانون الجنائي التركي، على الرغم من أن لا أحد يعرف تماماً ماذا تعني عبارة"القومية التركية" أو كلمة "إهانة" في هذا السياق. لكن غموض صياغتها يسمح بتفسير المادة على أنها تعيق حرية التعبير وحرية الصحافة؛ ولأول مرة، تخضع رواية ما، وهي عمل من أعمال الخيال، للمحاكمة بموجب هذه المادة. هناك كلمات لشخصية أرمنية في رواية لقيطة اسطنبول تم انتقاؤها من النص، واستخدامها "كدليل" من قبل مكتب المدعي العام. ونتيجة لذلك، كان على محامي الدفاع التركي أن يدافع عن شخصيات أرمنية خيالية داخل قاعة المحكمة. وكان كل ما يدور هو شيء غريب وبرئت ساحتي.
إلا أنني أتذكر اليوم من تلك الأيام العصيبة اجراءات المحاكمة ولا الجماعات المتطرّفة التي كانت تنظم الاحتجاجات ضدي في الشوارع وتبصق على صورتي وعلم الاتحاد الأوروبي، ولكن ردود الفعل المثيرة للارتياح والملهمة والمذهلة التي تلقيتها من القراء. غالبية قراء الرواية في تركيا هم من النساء – الكرديات ، واليهوديات،و الأرمنيات، واليونانيات ... نساء من جميع الأعراق والثقافات والطبقات. وفي تركيا، إذا احبت المرأة كتاب ما ، فإنها تعطيه إلى نساء أخريات. الكتاب ليس حيازة شخصية. يتم قراءة نفس النسخة في المتوسط من قبل خمسة أو ستة أشخاص، مع التأكيد على جمل مختلفة بواسطة الأقلام الملونة المختلفة. وعلى الرغم من أن صناعة الكتاب ووسائط الإعلام والنشر في تركيا، خاصة تلك التي في المقدمة ، ما تزال تحت هيمنة الذكور، إلا أن في الغالب الأعم فان النساء هن الحاملات للذاكرة، وهن اللواتي يحتفظن بتقاليد مختلفة لسرد القصص
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الكلمات كانت شيئا خطراً في تركيا في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن حالة الكتاب والناشرين لم تكن أبدا قاتمة أو مظلمة كما هي عليه اليوم. على مدى العقد الماضي كانت تركيا تنزلق إلى الوراء، في البداية تدريجيا وبعد ذلك بسرعة محيرة. فمستويات السلطوية، والإسلاموية، والقومية، والعزلة، والتحيز الجنسي، آخذة في الارتفاع، ويتم تغذيتها والتشجيع عليها بشكل منهجي. فليس غريباً أن يساعد ذلك على تحطيم آفاق حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي.
ومع ازدياد انفصال تركيا عن أوروبا، استغل القوميون والإسلاميون الفجوة المتزايدة.و بدأت النخبة الحاكمة في الحديث عن الانضمام إلى ميثاق شنغهاي بدلاً من الاتحاد الأوروبي. والعلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي هي في أدنى مستوى لها اليوم. و أصبحت حكومة حزب العدالة والتنمية غير ديمقراطية على نحو متزايد، ومنغلقة، وغير ليبرالية وغير متسامحة. ، واثبت الاستفتاء المثير للجدل . الذي اجري في نيسان 2017 ونتيجته المتقاربة (51٪ إلى 49٪) أن تركيا ستتغير من حكم الديمقراطية البرلمانية إلى دولة يحتفظ فيها الرئيس رجب طيب أردوغان باحتكار مطلق للسلطة.
لقد أصبحت تركيا مثالاً مروعاً على أن صناديق الاقتراع في حد ذاتها لا تكفي للحفاظ على الديمقراطية. إذا لم تكن هناك سيادة للقانون في بلد ما، ولا فصل بين السلطات،و انعدمت فيه الحريات للمؤسسات الإعلامية، و الأكاديمية ولا توجد فيه حقوق للمرأة فان الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر فيه أو تبقى على قيد الحياة.
واليوم يزداد التشدد وتسييس القضايا في بلدي الأم بشكل مروع للغاية حيث فقد الآلاف من المثقفين وظائفهم. وهناك عدد متزايد من الاتهامات القضائية بحق الأكاديميين والصحفيين والكتاب والمفكرين والمعلقين. وقد قضى أحد أشهر رسامي الكاريكاتير في البلاد وهو موسى كارت فترة خمسة أشهر في السجن، وعلى الرغم من أنه قد أفرج عنه تحت إشراف قضائي، إلا أنه لا يزال يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 29 عاماً. وقد أصدرت شبكة حقوق رسامي الكاريكاتير الدولية بياناً وصفت فيه المحاكمة بانها "محاولة غريبة من جانب الحكومة التركية لزيادة خيبة أمل شعبها بها".
والصحافة من أصعب المهن في تركيا. فمنذ محاولة الانقلاب الدموي التي جرت في عام 2016، تم إغلاق أكثر من 160 وسيلة إعلامية وتم إلقيام بعمليات تطهير واسعة النطاق. ومع وجود أكثر من 150 صحفيا فى السجون، تجاوزت تركيا سجل الصين المحزن، واصبحت تضم أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين فى العالم. و تم إدراج الكثيرين منهم في القائمة السوداء أو فصلوا من العمل أو تمت ادانتهم أو صودرت جوازات سفرهم.
وما يجري ضد الأكاديميين واساتذة الجامعات مثير للقلق بنفس القدر.و تجري عملية ممنهجة لخنق الحريات الأكاديمي ، وقد تم طرد أكثر من أربعة آلاف أكاديمي من الجامعات في جميع أنحاء البلد. أما الذين وقعوا على إعلان السلام في عام 2016فقد فقدوا وظائفهم دون أن تكون لهم فرصة للعثور على عمل في جامعة تركية أخرى؛ وكثيراً ما تجري محاكمتهم ومنعهم من السفر إلى الخارج. وكان من بين الاعتقالات الأكثر إثارة للقلق اعتقال عثمان كافالا، وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان والسلام ورجل أعمال وخبير محترم يحظى باحترام كبير من قبل الديمقراطيين والليبراليين والأقليات في تركيا.
ومع اتساع الرقابة الذاتية بشكل كبير، ينخفض عدد النقاشات. عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية بشكل صارخ وفي كل أسبوع تقريبا يتم استهداف شخص جديد، ، وينظر المعهد الدولي للصحافة في أكثر من 2000 حالة منفصلة من حالات الاعتداء على الإنترنت في تركيا تستهدف الصحفيين مباشرة.
وتأثير كل ذلك على حقوق المرأة هائل. وعندما تعود البلدان إلى الوراء وتنزلق إلى الشعبوية، والسلطوية والقومية، فإن النساء يخسرن أكثر من الرجال. واليوم، تقوم بعض النساء بخوض أكبر معارك تركيا من أجل الديمقراطية.
في عام 2016 طرحت الحكومة التركية مشروع قانون للعفو عن مغتصبي الأطفال إذا وافقوا على الزواج من ضحاياهم القصر. وكان النواب الذين جاءوا بهذه الفكرة البغيضة أكثر اهتماماً بالحفاظ على فكرة مجردة عن "شرف العائلة" من حياة الملايين من النساء والفتيات. وبسبب ردود الفعل واسعة النطاق من الجمهور، تم التحفظ على مشروع القانون
لكن النواب أنفسهم تمكنوا في نهاية المطاف من تمرير مشروع قانون آخر يسمح للمفتيين والمسؤولين الدينيين باجراء عقود الزواج.و في بلد تكون فيه واحدة من كل ثلاثة زيجات هي لفتاة قاصر ، فان هذا القانون يشكل تطوراً خطيراً للغاية. وسوف يزيد من عدد الفتيات القاصرات المتزوجات وحالات تعدد الزوجات. وسوف تتمكن الأسر المتزمتة دينياً من تزويج بناتهن في سن أصغر ودون أي إشراف. وعندما أعربت منظمات نسائية متعددة عن قلقها بشأن مشروع القانون، وخرجت النساء إلى الشوارع للاحتجاج، قال الرئيس أردوغان أنه سيتم تمريره "شئتم أم أبيتم".
ويتزايد العنف المنزلي ضد المرأة بمعدل مخيف ولا تتوفرأماكن لايواء النساء ضحايا العنف . ويستند خطاب الحكومة إلى قدسية الأمومة وحرمة الزواج. وفي ظل حزب العدالة والتنمية،تتلاشى حقوق المرأة وفي الوقت نفسه تنشر الصحف الإسلامية مقالات ضد مراكز ايواء النساء، وتطلق بعض المنظمات إلتماسات لجعل النساء يسافرن في عربات "مخصصة للنساء "فقط على متن القطارات. أما الحافلات ذات اللون الوردي التي لا تستقلها سوى النساء فقط فباتت تعمل بالفعل في عدة مدن.
ولن يخفف الفصل بين الجنسين من التحرش الجنسي ولا يوفر حلاً لدورة العنف. "عندما تذهب النساء إلى الشرطة أو المدعي العام لطلب الحماية، يتم ارجاعهن إلى المنزل، والقيام بمحاولة التوفيق بين [الأزواج] أو يحصلن على أمر حماية فقط على الورق"،
ومما يبعث على القلق أيضا التغيرات في نظام التعليم: ففي المناهج الدراسية الجديدة لن يتم تدريس النظرية الداروينية.. ومن أجل تجنب إضفاء الطابع الإسلامي على نظام التعليم الوطني، فإن الأسر التي تستطيع تحمل نفقات المدارس الخاصة ترسل أطفالها إلى هذه المدارس وارتفعت نسبة الأطفال في التعليم الخاص من 7 في المائة إلى 20 في المائة. وهناك أيضا نزوح حزين يجري، وتشهد تركيا هجرة في العقول لم تشهدها من قبل.
والعديد من الأكاديميين والمفكرين والناشطين والصحفيين والليبراليين والعلمانيين يغادرون البلاد. ولكن الكثير منهم ما يزالون موجودين وهم يحاولون الحفاظ على معنوياتهم. ، ومن الواضح أن المرأة التركية لا تتخلى عن الكفاح من أجل حقوقها.
ما تزال تركيا بلداً يعج بالتناقضات والنفوس الشجاعة والجميلة. ولكن الآن، وبعد مرور أكثر من عقد على صدور رواية لقيطة اسطنبول، من المحزن أن نرى أن الدول لا تتعلم من أخطائها. التاريخ لا يتحرك بالضرورة إلى الأمام. ففي بعض الأحيان يتراجع إلى الوراء. وتركيا، التي كانت تعتبر في السابق جسرا متوهجاً بين أوروبا والشرق الأوسط، ونموذجاً يحتذى به للعالم الإسلامي بأسره اصبحت بلداً تعيساً وغير ديموقراطي.

عن الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل (20) رواية بوليسية.. من "ربيكا" إلى "دم بارد"

أشهر الكتب الممنوعة

نظريات التآمر عن الأرض المجوفة.. الحقيقة الكاملة

أفضل الروايات الرومانسية

سر مريم المجدلية الحقيقية

مقالات ذات صلة

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

 ترجمة / المدى في الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع واحتياجات النازحين والمهجرين في العراق مقلقة وغير ثابتة عقب حالات العودة التي بدأت في العام 2018، فإن خطة برنامج الأغذية العالمي (FAO )...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram