TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > برسم الادّعاء العام وهيئة النزاهة

برسم الادّعاء العام وهيئة النزاهة

نشر في: 13 يناير, 2018: 06:17 م

adnan.h@almadapaper.net

 

صحيح أنها فترة دعاية انتخابية.. وصحيح أن سياسيي الصدفة العراقيين بارعون في أشياء كثيرة، أولها الكذب والاحتيال وسرقة المال العام، وكذا السعي لتسقيط بعضهم بعضاً.. وفي فترة كهذه يُظهرون كلّ براعاتهم.
لكنها أيضاً فترة مناسبة لجهاز الادعاء العام وهيئة النزاهة، وسائر هيئات الرقابة المعنية بقضايا الآفة الكبرى، الفساد الإداري والمالي، لتتبّع المعلومات التي يجود بها هؤلاء السياسيون أثناء ما يتدافعون بالمناكب لتسقيط بعضهم البعض لزوم الانتخابات المقبلة.
نواب ووزراء حاليون وسابقون يتحمّسون هذه الأيام في تصريحاتهم للكشف عن حالات فساد، إنْ صحّت، ولو بنسبة 25 بالمئة، سيشيب معها شعر تلامذة الابتدائية من هول وقائعها.
المفروض، كما هو الدارج في البلدان الأخرى، ما إن تُنشر أو تُبثّ معلومة عن جريمة حتى يتحرّك في الحال جهاز الادعاء العام من تلقاء نفسه للتحقيق فيها بوصفه الهيئة الممثلة للحق العام المكلّفة"حماية نظام الدولة وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة والقطاع العام"، و"الإسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الافعال الجُرمية، والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات من دون مبرّر"، و"الإسهام في رصد ظاهرة الإجرام والمنازعات وتقديم المقترحات العلمية لمعالجتها وتقليصها"، بحسب ما ينصّ عليه قانونه.
والمفروض كذلك، كما هو الجاري في البلدان الأخرى أيضاً، أن تتحرّك في الحال هيئة النزاهة، الجهاز المكلّف مباشرة والمكرّس وجوده لمكافحة الفساد الإداري والمالي، لتقصّي الوقائع وجمع المعلومات والأدلّة اللازمة لمقاضاة سرّاق المال العام والخاص.
في أيام المعركة الانتخابية هذه تتدفّق معلومات بلسان نواب ووزراء حاليين وسابقين تحشو ملفات كبيرة، ومن اللازم أن يثبت جهاز الادعاء العام وهيئة النزاهة جدّيتهما في النهوض بالمهمات الملكلّفين بها لتتبّع قضايا الفساد الإداري والمالي التي عصفت بمئات مليارات الدولارات المخصّصة لبرامج التنمية ومشاريع الخدمات العامة، ما ترتّب عليه تفشّي الفقر والبطالة والامراض بين الغالبية من أفراد الشعب العراقي، وانهيار نظام الخدمات، وموت الحياة الاقتصادية في واحد من أهم البلدان المنتجة والمصدّرة للنفط، فضلاً عمّا يُفترض أن تجود به أراضيه الزراعية الشاسعة المرويّة بمياه نهرين عظيمين.
تحرُّك جهاز الادعاء العام وهيئة النزاهة مُستحق ومتوجّب، في هذه الفترة بالذات، ليس فقط لملاحقة الفاسدين والمفسدين، إنّما أيضاً لمنح الناس الأمل بإمكانية التغيير عن طريق الانتخابات.. قطاعات واسعة من الناس تبدو فاقدة الثقة بجدوى العملية الانتخابية، فالكلام السائر أن الانتخابات ستُعيد إلى الحكم سياسيي الصدفة الفاسدين أنفسهم وتُضفي الشرعية من جديد على وجودهم في السلطة وعلى فسادهم وتحول دون الكشف عن فسادهم وملاحقتهم قضائياَ.
هذا الكلام ليس عديم الصحة تماماً، لكن الموقف المترتّب عليه، مقاطعة الانتخابات، هو ما يريده الفاسدون والمُفسدون الذين لديهم القدرة، المالية والسياسية، وكذا الفنية المتعلّقة بالتلاعب بالعملية الانتخابية، لتأمين فوزهم"الكاسح"في الانتخابات.
نكاد نفقد الأمل تماماً في رئيس الوزراء ووعوده المتواصلة منذ ثلاث سنوات بإعلان الحرب الضروس على الفساد، ولم يبق أمامنا غير جهاز الادعاء العام الذي نتطلّع إلى مغادرة تواكله على هذا الصعيد، وكذا هيئة النزاهة التي تحتاج إلى جرأة أكبر في قضايا الفساد الخاصة بـ"الكبار"في الدولة والعملية السياسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين سؤال :- هو اكو جهز الأدعاء العام في العراق لو ماكو اشو لحد الآن ومنذ ١٤ سنة لم نرى ملامح له ؟! انت كم مرة كتبت بخصوص هذا الموضوع المهم ودائما تضع النقاط على الحروف وتؤكد انه لا يمكن لأي دولة صاحبة سيادة جهاز الأدعاء العام فيها جهاز لا يتا

  2. أبو أثير / بغداد

    موضوع الفساد وما ينشر في ألأعلام والخطب الماروثونية للسيد العبادي وباقي المسؤولين في العملية السياسية ... مجرد بالونات أنتخابية للضجك على عقل المواطن العراقي وعاطفته الجياشة ..... فقد اتفق الفاسدون على ميثاق عدم التعرض فيما بينهم واقتسام ما تبقى من العراق

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram