حسب العهد القديم، أن أور السومرية هي مكان ولادة النبي إبراهيم”وهذه مواليد تارح، ولدَ تارحُ أبرام وناحور وهاران، وولدَ هاران لوطاً، ومات هاران قبل تارح أبيه في أرض ميلاده في أور السومريين (الكلدانيين)، وأتخذ إبرام وناحور لأنفسهما إمرأتين. أسم إمرأة أبرام ساراي وأسم إمرأة ناحور ملكة بنتُ هارانَ أبي مِلكة وأبي يِسكة. وكانت ساراعاقراً ليس لها ولد. وأخذ تارحُ أبرامَ إبنه ولوطاً بن هاران ابن إبنه وساراي كنته إمرأة أبرام ابنه، فخرجوا معاً من أور السومريين ليذهبوا إلى أرض كنعان، فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك”(العهد القديم، تكوين، 11)، هذا يعني أن إبراهيم غادر أور مضطراً بصحبة نفر قليل مما تبقى من أفراد عائلته بعد نجاتهم من المجزرة.
للأسف ليست هناك مصادر تاريخية كثيرة تحكي لنا بالتفصيل عن أصل السومريين، أو عن نشأة النبي إبراهيم، حياته، وقد يتساءل البعض، لماذا لا يكون إبراهيم جاء إلى أور من منطقة أخرى، كأن يكون وُلد في مكان آخر وجاء مع أبيه مهاجراً إلى بلاد وادي الرافدين، لأن وادي الرافدين، كان مكان استقبال هجرات وليس العكس، لماذا لا يكون وُلد في حاران مثلاً في شمال شرق الأناضول، والتي سيهاجر لها من أور السومرية وهو رجل”فحل”مع أفراد عائلته القليلين؟ ألا يؤكد العهد القديم على كلمة أور (الكلدانيين)، كأنه أراد تميزها عن مدن”أورية”أخرى، أور- شليم مثلاً، أو أور- فة؟ خاصة وأن الأخيرة هي الإقليم الذي تقع فيه مدينة حاران التي سيهاجر إليها إبراهيم، ألا نقرأ في العهد القديم، أن الرب أمر إبراهيم بالهجرة من حاران لاحقاً مع قبيلته”وقال الرب لإبرام أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فإجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنُكَ ألعَنُه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، فذهب أبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط”(العهد القديم، تكوين، 12)؟
وفي الحالتين سواء كان مكان ولادة إبراهيم حاران وجاء به أبوه مهاجراً إلى أور السومرية، ثم عادا بعدها إلى مدينتهما بعد خراب أور السومرية، أو سواء كان إبراهيم من مواليد أور السومرية بالفعل، وهاجر بعد المجزرة، حمل معه أباه تارح الطاعن بالسن، وزوجته ساراي وإبن أخيه لوط وجاء بهم إلى حاران، رغم أن العهد القديم لا يقول لنا، لماذا حاران بالذات؟ وإذا لم يكونوا جاءوا أصلاً من حاران إلى أور مهاجرين، فلابد لنا من أن نسأل: من أين عرف إبراهيم بحاران؟ لماذا لم يذهب إلى مدينة أخرى؟ هل كانت هناك حركة قوافل تجارية وحركة هجرات؟ أم لأنه سار ببساطة عكس مجرى تيار نهر الفرات، اليوم لا تقع حاران على نهر الفرات مباشرة، لكن ربما وقعت عليه في ذلك الوقت؟ لكن لماذا لم يتوقف إبراهيم في طريقه في مدن أخرى وقعت على ضفاف نهر الفرات؟ في بابل أو ماري مثلاً؟ وهي هذه الأسئلة التي تعنينا، ألا يمكننا تخيل القصة، كما تحدث اليوم، في مكان ما تنشب الحرب، فتحدث مجزرة، فيسعى البعض للفرار، للنجاة بأنفسهم، لماذا لا يكون مثلاً في ذلك الوقت مهربين أيضاً؟ لماذا لا تكون هجرة إبراهيم وأفراد قبيلته، هي فرار وحركة، سارت حسب خطة معينة، لأن حاران التي يلجأ إليها سيغادرها مباشرة، وإن ليس بإرادته، بل ستأمره السلطة السماوية، أما سقف الوعود التي ودعته بها فهي عالية، كلها إغراء بالهجرة، ولما يأمل المهاجر بالحصول عليه في حياته الجديدة (ألا يحصل ذلك أيضاً للمهاجرين الجدد؟):”فإجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنُكَ ألعَنُه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض"، (العهد القديم، تكوين، 12) تقريباً جميع الوعود هذه تحققت، أمة إبراهيم كبيرة، كل قبائل الأرض تتبارك اليوم بإبراهيم، لكن الثمن كان عالياً، لأن تلك كانت البداية لهجرات أخرى ما تزال تتواصل حتى اليوم، بكل ما تحمله هذه الهجرات من مغامرات، من موت ودمار، هجرات نادراً ما إنتهت نهايات سعيدة.
في البحث عن المكان السعيد
[post-views]
نشر في: 9 يناير, 2018: 09:01 م