دعهنَّ يا أبا منذر، دعهنَّ، أتوسلُ اليكَ دعهنَّ يتنقلن فيه، فانا ما أغلقته البارحة، تركتُ بابه الأولى مشرعة، فجاءت الشمس منه، وأغلقت بابه الثانية دونها، رأيتهنَّ قبلك والله، دخلنه مذ كنت في سريرك دافئا يا أبا منذر، وجرين متنقلات بين القرع والخيار واللوبياء، يغرفن من أسدية الزهرة هذه الى مدق تلك مثنى وثلاثاً ورباع.. وأنا أحتُّ يابس الورق، أباعد بين الزهر، أقرّبُ بين أضالع اليقطين، فتنتفخُ بطون وتقرُّ أعين وتسبّح بحمد مائها جذور وأوراق، فلا يغضبنك دبّور هائج، وإن عبث بلحيتك، إن لحقته انثاه، تقتصُّ منك لسعاً، فما هي بتاركته، وما أنت بمستطيع الهرب منه. إن حطَّ على يدك فلا تنهره، وإن فحَّ عليك فما هو بافعى، وإن انحشر بين حزامك وقميصك فما هو بآخذ أكثر من لسعة منك،، فقد احاطني وأياك بفضله من قبل.
ليتك تحمل عني قفص الأمنيات هذا، هاكه، لكن، خذ حذرك من فروجه الوسيعات، لا أريد أن تسقط أمانيي على طريق ضجرك ويأسك، فتعجّل عليَّ بالأمل، أبلغك القطاف، فأنا بائع أحلام عنيد، آويت الضلالة أدهراً بين عيني، وجلست على جادة الذاهبين الى قرى الماء البعيدة، فما أوقفني أحدٌ من نخلهم عائداً، ووقفت أحصي العائدين فما أنقصتني أصابعي، فيا كل ثغور الأنهار، ويا كل مدافن الريح إليَّ، هذا بريدٌ يأتي في الصباح ولا يأوب، وتلك قافلة غائبين، مكثوا في الرؤيا ساعة وفي الهجر ساعتين، فما عدت أفرِّقُ بين ماكث وغائب، فدعهن يا أبا منذر، هنَّ صويحبات الزهر، النائمات بين الاسدية والمتوك، القادمات من أفاويق الدنيا في حمدان ومهيجران وعبدالليان ومحولة الزهير والسبيليات، العابرات الشط الكبير من عبادان والمحمرة والمحرزي وأندمشك، خذ بأجنحتهن الى الزهر الذي تفتح في فجرك وما زال أخذك ما طاب واستوفى وبذل بين أصابعك، أنزل رشاء دلوك في طوى المسرات، هذا فجر لا يستعجل الناس شمسه، وهذي بقاع يأمن الله النائين فيها فلا يفيقون من سكر ولا يستوحشون في افق.
بالأمس، حين سألتك لذلك الفسيل ماءً نسيته، وحين توسلتُ اليك، أنْ أعطِ شجيرة التوت حقها من الشمس اشاغلت عنها، تُراكمُ العراجين اليابسة، تقول إن الشتاء موقد وإبريق شاي، وها أنت تكذّب الغيمَ وتسخر من السماء، التي تظللنا. فيا أبا منذر، اسلك منجلك في جيب الأرض واخرج لنا مما توارث أهلونا صباحاً كقلبك، مساءً كالذي تنثره من حجرك من باذنجان وقرع، أما انا فسأتخذ من خِربة الحلفاء براحةً، اجمع عندها التمر البائر والحشف ويبيس البامياء والقثاء، أهيئُ للقنافذ والثعالب مآوايها. شتائي ما انتظرُ، لا شتاءك، يعاسيبي مَنْ تُغضبها بعصاك ويزدريها إهمالك، فدعني في حيرة الزهر أتأمل التويجات والأسدية والمتوك، أواسي من لم ينلها يعسوب بمائه ورحيقه، سأجعل من مسقى الرمان منعرجاً آخر، أحرِّفُ مجرى الماءَ فلا يأتيها، وأقهر الماعز فلا يخمط حلفاءها، وأحطُّ من شأن القبرات فلا يقربنها بسوء، ومن شاهق السعف وأوراق الدُّفلى سأهبط بالسقف، أدنيه حتى يلامس أفواف الزهر، فلا يصلها من ماء المطر إلا النزر، ولا يدخلها من باب الطمأنينة غاضب، مَنْ لها غيري؟ وقد جرّفت الناس بساتينها وردمت أنهارها.
محاولة في ترميم ما يتصدع
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2018: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أم رشا
روعه