يحفل عالم الثقافة العلمية بأسماء لامعة كان لها دور عظيم الأثر في إشاعة الفكر العلمي والتنويري ، ولعلّ معظمنا يعرف أسماء مثل : آرثر سي. كلارك ، جورج غاموف ، إسحق أسيموف ، كارل ساغان ، جاكوب برونوفسكي ، ميشيو كاكو،،، الخ ؛ واشتهر في السنوات العشر الأخيرة إسمٌ ربّما لم يسمع به الكثيرون - ذلك هو البروفسور جيم الخليلي المولود في العراق عام 1962 .
السير جيم الخليلي Jim Al-Khalili ( وقد خلعت عليه ملكة بريطانيا لقب الفروسية قبل بضع سنوات ) عراقي المولد والنشأة ؛ فهو حفيد الشخصية الثقافية العراقية المعروفة الراحل ( جعفر الخليلي ) ، وشاءت المقادير السياسية المضطربة التي لطالما أبتلي بها عراقنا المظلوم أن تتهجّر عائلة جميل ( هذا هو إسم جيم الحقيقي ، وقد إستبدله في بريطانيا لغرض السهولة والتناغم مع البيئة الجديدة ) أواخر سبعينيات القرن الماضي ؛ غير أنّ الحظّ المؤاتي قد يلعب لعبته الجميلة ( مثلما قد يغيب ويعاكس في أحيان أخرى ) ؛ إذ أنّ والدة جيم البريطانية - وهي العالمة بمواهب إبنها وقدراته في الدراسة ماقبل الجامعية في العراق - لم تتأخر في مرافقة إبنها والسفر إلى بريطانيا وتسجيله دون تأخير في إحدى الجامعات البريطانية المرموقة ، وهناك تفتّحت مواهب جيم وقدراته الكبيرة وحصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية وصار علماً كبيراً وإسماً يُشارُ له بكلّ التقدير والثناء .
نشر جيم الخليلي كتباً عديدة في ميدان الفيزياء - والثقافة العلمية بعامة - ، حققت صدى واسعاً ومقروئية عالية لدى القرّاء المولعين بالثقافة العلمية على مستوى العالم كله ؛ غير أنّ برامجه الوثائقية تلقى متابعة لاتقلّ عن كتبه وبخاصة تلك الأفلام الوثائقية الشهيرة التي أعدّتها ال BBC ، ويمكن الإشارة إلى العديد منها : قصة الذرة ، الفوضى ، بيت الحكمة ( تأريخ العلوم العربية ) ، عالم الكمّ،،،، .
تراودُني أسئلة ملحّة كلّما رأيت عملاً جديداً للبروفسور جيم الخليلي : ترى ، ماكان حال الرجل لو قيّضَ له البقاء في العراق ولم يغادر إلى بريطانيا بفعل السياسة ومواريثها الحمقاء ؟ ربما لأصبح أستاذاً جامعياً في إحدى الجامعات العراقية في أحسن الأحوال ؛ ولكن هل كان سيغدو ( جيم الخليلي ) الذي نعرف ؟ وماذا عن آخرين يمتلكون قدرات ( جيم الخليلي ) وربما أفضل منها ؛ غير أن حظّهم العاثر جعلهم يعلقون في شبكة الموت العراقية التي حولتهم أشباحاً لهياكل خربة ودفنت مواهبهم في التراب إذا لم تكن دفنتهم حقاً تحت الأرض ؟.
يتفاخر الكثير من العراقيين - والعرب عموماً - بعلمائهم وشخصياتهم المتفوقة في الغرب ، متغافلين أو متناسين أنّ البيئة العلمية في الغرب هي التي رعت عبقرية هؤلاء و فيها حققوا طموحاتهم التي كانت ستقتل في مهادها لو لبثوا في بلدانهم ، هذه حقيقة لاينبغي إغفالها أو تجاهلها ، فمؤسساتنا وجامعاتنا لاتحتفي بالعقول العبقرية بل تخضعها للقولبة والتدجين وتقتل طموحاتها وأحلامها.
جيم الخليلي عبقري صنعته المؤسسات العلمية البريطانية ورعت تفوقه ويسّرت له تحقيق ذاته فقد وجدت فيه خامة علمية ثمينة تخدم البشرية جمعاء ، وهو وإن كان يذكر أيامه في العراق بحنين جارف ويأكل اللحم المشوي مع الخبز الحار على الطريقة العراقية ( مثلما فعل في إحدى وثائقياته ) ؛ لكنّ بريطانيا هي التي إحتضنت مواهبه وجعلت منه العالم السير جيم الخليلي.
جيم الخليلي
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2018: 09:01 م