منجز كبير ومسيرة طويلة في مجال العمل الأدبي، والنقد المسرحي، إضافة الى ما قدمه من كتابات سردية، اختتمها بمجموعة قصصية أعلن من خلالها عن اعتزاله الكتابة، تحمل عنوان"أصابع الأوجاع العراقية" فكانت الجلسة الخاصة بالاحتفاء بها وتوقيعها، هي ذاتها جلسة توديع قلمه...
الكاتب والقاص حسب الله يحيى يودعنا بأصابع الوجع، التي فارق بها حروفه لأنها أتعبته واثقلت ظهره بحملها، لنحتفي بآلامه في اتحاد الادباء والكتاب في العراق صباح يوم الاربعاء الفائت على قاعة الجواهري...
الجلسة قدمها القاص محمد خضير سلطان مشبهاً المحتفى به بأودسيوس العراقي، المحارب الذي لم يسترح يوماً، ذاكراَ أن "حسب الله يحيى هو المحارب الذي رفع لواء القلم والابداع وعاش مكابدات عراقية ها هو يصدر مجموعته الأخيرة في حياته.."لن يحاول مقدم الجلسة التطرق لسيرة المحتفى به فهو غني عن التعريف كفايةً، لكنه أشار الى "أن يحيى بدأ الكتابة في وقت مبكر جداً فضلاً عن دراسته المسرح التي اضافت الى نشاطه الثقافي والابداعي."
الجلسة تضمنت العديد من الأوراق بحق المحتفى به أولها للكاتب إسماعيل إبراهيم عبد الذي قال " سأناقش كلمة ذكرها يحيى في مقدمة مجموعته قائلاً "أحزنتني النتيجة" هل السابق كان أفضل من الآن لتحزِن النتيجة حسب الله يحيى؟؟"
من خلال قراءات عبد للمجموعة القصصية يذكر "أنها تحمل وجهتين الأولى هي اسباب اعتزال مؤلفها، فيبدو أن ممارسة الكتابة أتعبت وألّمت يحيى لهذا قرر أن يتوقف عمّا يمارسه، أما الوجهة الأخرى فسنُلامس حياة الكاتب وعائلته من خلال تفاصيل وشخوص المجموعة، فمن خلال عائلته استطاع يحيى أن يصنع مجتمعاً صغيراً في بيئة قسمت الى السرد والمجتمع."
ناقش يحيى في مجموعته التي تضمنت عشرين قصة بعدد أصابع اليدين والقدمين، تتشاطر مع وظائفها اللمس والجمال واللذة والحس، حيث يؤكد عبد أن "الحكاية تؤذي بطل هذه الاصابع، وتتشاطر حكاياه بين الجدل والحياة، وأن مجموعته لا تكتمل إلا من خلال الفهم أو التأويل وهنا سيحس القارئ بمعنى المجموعة."
فيما أشار الكاتب والصحفي جمال العتابي خلال مداخلته إلى أن"كل عناوين القصص في المجموعة يدخل موضوع الإصبع، وهي في الواقع تعطي انطباعاً عن حركة اليد الايمائية في تشابك الاصابع، وهنا يدخل يحيى في المثيولوجيا والأمثال الشعبية، ويجب أن لا نكتفي بمجموعة الكاتب هذه بل بملاحقها التي توصل "قطار الموت" و" براءة دمي" فعن قطار الموت خلق يحيى بطلاً واحداً لحكايته وهو سائق القطار جاعلاً السجناء كالاصابع التي تعتقل مطاردة."
فيما ذكر الناقد عبد الصاحب البطيحي إن "الكاتب دون هذه المجموعة بلغة أذاب من خلالها الفروق الزمنية والسردية لتنساب الكلمات والجمل بعفوية مقصودة."
وكلٌّ من النقاد والمثقفين وحتى القُراء تعامل مع المجموعة بنظرته الخاصة، فذكر الناقد ناجح المعموري أن "هنالك علاقة عميقة بين هذه الاصابع والجسد، فهنالك موضوع فلسفي شغل علماء النفس والجانب السيسيو ثقافي وقد تم تداول موضوع الجسد من قبل ليفينانس الذي اعتبر ان الطريقة المثلى للاتصال بين الثنائي "المرأة والرجل" تكون عن طريق اللمس." وهذا ما أكدته ايضا الفلسفة الهندية المعنية بموضوعة الجسد.
يجد المعموري إن قضية اللمس إحدى القضايا المهمة وخاصة في كتاب "الكاماسوترا" وهو كتاب عندي شهير عني في مجال الجسد...
أما لو توجهنا الى مجال أعمق وفق رؤى المعموري " المجال المثيولوجي والانثربولوجي فنجد إن الحضارة السومرية والألهة أنليل أكد على أهمية اليد في العمل والبناء، كما اعتبر أدونيس إن اليد اليمنى هي التي شيدت حضارة الانسان."
حتى النصوص أكدت على اهمية الاصابع ورمزها الذي يشير الى الحياة من خلال زليخة والنسوة اللاتي قطعن ايديهن اضافة الى نص حارس المتحف، والاشارة الى اهمية اصابعه التي ترمز الى امنية الذاكرة والاثار والحضارة والثقافة."
في ختام الجلسة جاءت كلمة المحتفى به القاص والكاتب حسب الله يحيى بعد أن شكر من احتفى به على كلماتهم، وقال" ان هذه المجموعة تمثل آلام من يهضم الادب، هذه الام نشأت معي حتى هذه اللحظة ولامستني مع اول لحظة المس بها دم في جريمة حدثت امامي وانا طفل جعلتني اجد صعوبة في تقديم شهادة كاملة عنه الاوجاع التي شكلت حضورها في حياتي."
يبدو ان جملة الخيبات التي عاشها يحيى أكدت له ان 40 عاماً من المنجز القلمي يخلو من تأثير الكلمة، فهذا العالم لا يتأثر بالحروف وقيم الكتابة النبيلة، الكلمة الشجاعة منفية في حياتنا هذه..