اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حنين معاذ الآلوسي

حنين معاذ الآلوسي

نشر في: 29 ديسمبر, 2017: 06:45 م

قال إنّ والدته كانت واثقة من أنّ مولودها الثاني سيكون ذكراً، بعد أن جاءت أُخته قبله بسنتين، وتوقعات هذه المرأة البغدادية لم تاتِ من مزاج بل إيمان، فهي قد استجارت بالعذراء مريمانة، كما كانت تسمّيها لتمنحها ولداً : " كنتُ منذوراً، طلبتني من السيدة مريم في كنيسة قريبة من بيتنا.ثم جئتُ مصحوباً بأدعية إسلاميّة ومسيحيّة ويهوديّة ". فالقابلة التي ساعدت في خروجه إلى الدنيا كانت سليمة اليهوديّة، و" سويدة " التي ستعتني به جاءت من جنوب العراق لتعيش وسط عائلة بغداديّة كواحدة من أفرادها، وسوف تشعر هذه الفتاة الجنوبية بأنّ هذا المولود الذي ليس من لحمها ودمها، هو الأقرب إليها في هذا العالم.
بهذه الصفحات التي تقطر إنسانيّة ومحبّة يفتتح المعماري الكبير معاذ الآلوسي كتابه " توبوس " الذي يروي حكاية المكان – بغداد - وذكريات الزمان، وكان قد وضع قبل سنوات كتابه الممتع " نوستوس " عن الحنين إلى شارع في بغداد.
وفي الصفحات التي اقتربت من الثلاث مئة نعرف أيضاً، أو بالأحرى نستخلص، ظاهرة في غاية الأهميّة، وهي أنّ هذه المدينة بغداد، كانت في زمن مضى تنافس العالم على إقامة الجامعات وإعمام التعليم. فيما المعمّمون والرهبان واليهود والأفنديّة، تنافسوا على إشاعة روح الجمال والخير ولم يتنافسوا على القتل، والطائفية والعودة بالحياة الى القرون الوسطى.
يبدأ معاذ الآلوسي في توبوس ليروي حكايته التي بدأت في إحدى محلات بغداد الشعبية قبل ثمانين عاماً، لتتوقف في لحظة من لحظات الحنين في مدينة ميرسال القبرصية،إذ نراه يضع كرسيّاً على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، يستعيد مثل كاتب سيناريو شريط حياته، ليعيد تركيبه لقطةً لقطة، وفي كلّ لقطة نشاهد لحظات الحنين والشغف ببيت مكعب على شاطئ دجلة، يكتب في الصفحة الأخيرة من توبوس : " عيني وقلبي على بغداد.هناك لي دار مكعب يطوف على شاطئ دجلة، وضعت فيه كلّ ما نهلت من قيم جمالية ومقومات حياة جميلة. الآن هو مقفل، وربما يقفل ويصبح أطلالاً، ربما يكتب لي العودة إليه، ومنه إلى السبات الأبدي في إحدى زوايا الشيخ جنيد.
كان بول فاليري يوصي الشعراء الشباب بأن يضعوا قمراً صغيراً في قصائدهم. وضع لنا معاذ الآلوسي أقماراً تتوزّع في شارع حيفا وفي العديد من البنايات التي زيّنها بالأقواس التي يعشقها، حيث أراد لبغداد أن تكون أكثر تألّقاً وصفاءً وأن تفترش دروبها بالضوء، ولهذا ظلّ وهو البعيد عنها يُوسّع دائرة الحنان وزوايا الحنين،في الوقت الذي يوسّع فيه القابضون على مصيرها دائرة الخراب والموت والمجهول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ali

    الاخ علي انا اعيش في لندن وهذه المدينه كمثال تعلم انها تضم اعداد هائله من اللذين وفدواعليها من اهل البلاد والمهاجرين خلال العقود السابقه وهم بمستويات حضاريه وثقافيه متباينه بشكل كبير واستطاعت المدينه بقوانينها ان تطوعهم لمدنيتهاعن اقتناع او بسلطة القانون

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

العمودالثامن: نواب يسخرون من الشعب

 علي حسين يملأ بعض السياسيين حياتنا بالبيانات المضحكة ، وفي سذاجة يومية يحاولون أن يحولوا الأنظار عن المآسي التي ترتكب بحق هذا الشعب المطلوب منه أن يذهب كل أربع سنوات ” صاغراً” لانتخاب...
علي حسين

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

رشيد الخيون عندما تُعلن الأنظمة، تحت هيمنة القوى الدّينيّة المسيسة، تطبيق الشّريعة، تكون أول ضحاياها النّساء، من سن زواجهنَّ وطلاقهنَّ، نشوزهنَّ، حضانة أولادهنَّ، الاستمتاع بهنَّ، ناهيك عما يقع عليهنَّ مِن جرائم الشّرف، وأنظمة لا...
رشيد الخيون

مأساة علاقات بغداد وأربيل..استعصاء التجانس واستحالة التفارق

رستم محمود أثناء مشاركته في الاجتماع الموسع للأحزاب والقوى السياسية العراقية في العاصمة بغداد، ضمن زيارته الأخيرة، والتي أتت بعد ست سنوات من "القطيعة السياسية مع العاصمة"، رفض زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس الأسبق...
رستم محمود

كلاكيت: للوثائقيات العراقية موضوعات كثر

 علاء المفرجي أثار موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، من جدل اجتماعي أحتل ومازال مواقع التواصل الاجتماعي، أُعيد ما كتب في هذا الحيز عن فيلم (خاتم نحاس) إخراج فريد الركابي والذي انتجته...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram