حازم مبيضين لم يكن منتظراً أن يصدر أي جديد أو مهم بعد اجتماع هيئة الحوار الوطني اللبناني، وجاءت جلسة الخميس لتكرر ما سبقتها بشأن استكمال تقديم الدراسات الخاصة بالاستراتيجية الدفاعية، وهذا هو الاسم الحركي لسلاح حزب الله، الذي يعتبره الكثير من الساسة اللبنانيين خارج إطار الشرعية إن لم يكن معتدياً عليها، وسبقتها دعوات من بري وجنبلاط وعون لسحب هذا الموضوع من طاولة الحوار،
وتسرب من الجلسة أنها كانت ساخنة وعاصفة، بسبب تباعد الرؤى حول المواضيع الاستراتيجية المتعلقة بمستقبل الدولة اللبنانية ومواضع اصطفافها في ظل تمحورات اقليمية خطيرة تستعد لحروب سيكون وطن الارز ساحتها الرئيسية. المجتمعون حول طاولة الحوار أو المناكفة، تناقشوا بطريقة متطابقة مع حوار جنس الملائكة، الذي انشغلت به المجامع الكنسية البيزنطية في وقت كانت جيوش محمد الثاني تدق ابواب القسطنطينية التي طالما استعصت على العديد من الجيوش، لتنفتح أمامها ويسجل التاريخ هذا الفتح للسلطان العثماني محمد الفاتح قبل أكثر من سبعة قرون، ولعل ذلك ما دفع رئيس الجمهورية للطلب بعدم كشف التفاصيل، وإبقاء المداولات سرية خشية الانعكاسات السلبية، لكن ذلك لم يمنع تسريب أنباء عن نجومية بري الذي استحوذ على تسعين دقيقة ليستعرض تاريخ " العلاقة " بين لبنان وإسرائيل منذ عام 48 حتى اليوم. ويفجر نقاشاً بين أطراف " الحوار " حول العمالة للدولة العبرية، امتد إلى استحضار تصريحات لبعض المشاركين قيل إنها تخدم إسرائيل.ممثل حزب حسن نصر الله شدد على منع الكلام عن سلاح المقاومة، وهدد بمقاطعة جلسات الحوار إذا استمر موضوع طرح هذا السلاح، وكأنه يعتبره مقدساً، أو يشكك في وطنية وولاء من يحاولون ضبطه لتخفيف المخاوف والهواجس المسيطرة على الشارع، ويرفض انتهاج الحوار الرصين غير الانفعالي وغير التخويني، وكان رد الفريق المقابل أن من حقه سياسياً الحديث عن هذا السلاح في كل مكان، وباعتبار أن السلاح من الخارج يجب أن يكون للجيش، ليتمكن من مواجهة اسرائيل، وكان لافتاً أن الجنرال عون يتنكر للجيش الذي كان قائده ويُعطي الأولوية لسلاح غير شرعي. ليس هناك عاقل يطالب بتجريد حزب الله من سلاحه بالقوة، لأن الأمر هنا يتعدى المنطق القائل بوجوب اقتناع هذا الحزب أنه آن أوان إعادة بناء الدولة والمؤسسات، وبأنّه يجب أن يسلم سلاحه للشرعية، ولان المنطق يقول إنه عندما تنتصر المقاومة فيجب أن تهدي هذا الانتصار للوطن والدولة التي يجب أن تتولّى بعد ذلك حماية الانتصار، أما محاولة الفصل بين هذا السلاح وبين الاستراتيجية الدفاعية باعتبارها هدفاً، فأمر ساخر لأن تلك الاستراتيجية تشمل وسائل يجب وضعها على الطاولة، ومن بينها السلاح الذي يجب أن نسأل هل هو دعم للاستراتيجية الدفاعية أم عائق لتطبيقها والدفاع عن الوطن؟ما يخيف اللبنانيين هو البعد الداخلي لسلاح حزب الله، وتأثيره على اللعبة السياسية، خصوصاً عندما يضعه على طاولة التفاوض ليؤثر على التوازنات السياسية، ولعله يستدعي الطرف الآخر للتسلح، وبما يستعيد أجواء الحرب الأهلية، وهذا هو المخيف في الموضوع المتزامن مع التهديدات الاسرائيلية، وفي ظل الولاءات المتعددة في الساحة اللبنانية، والممتدة من أقصى المفاهيم الغربية لمستقبل المنطقة، إلى أقصى المفاهيم المدججة برغبات الحرب، وطبعاً مع ضرورة أن يتم ذلك بأدوات لبنانية، ومع ذلك يستمر نقاش الساسة اللبنانيين حول جنس الملائكة، ويتواصل البحث عن إجابة على سؤال: كم ملاكاً يمكنهم التجمع على رأس دبوس؟ rn
خارج الحدود: لبنان وحوار الطرشان
نشر في: 16 إبريل, 2010: 05:10 م