TOP

جريدة المدى > عام > باحث عراقي يستنقذ الإسلام من الغلوّ والتطرف والإرهاب

باحث عراقي يستنقذ الإسلام من الغلوّ والتطرف والإرهاب

نشر في: 28 ديسمبر, 2017: 12:01 ص

كل خطاب هو بحث عن المختفي وراء الكلمات واستدعاء للتأويل. والسبر ضروري لفهم أعماق المكتوب .كلمات مقالي هذا محاولة لكشف بعض مكونات كتاب (الإسلام من الثابت إلى المتغير) لمؤلفه العراقي الدكتور هادي حسن حمودي الذي يهدف إلى التغيير الجذري في الخطاب الديني لتقريب الحقيقة إلى القارئ.
أما المؤلف فهو عراقي يعمل في جامعة لندن حاليا وله 80 كتاباً.
أما الكتاب فيعتبر أنّ ظهور الإسلام كان منسجماً مع التطور الاجتماعي التاريخي للعرب، وبهذا الاعتبار فإنّ المقومات المادّيّة للنظام العام، والظروف الموضوعية للتنمية والتطور التي تواكبها والتي تتحقق هذه المقومات بواسطتها في أنظمة وعلاقات جديدة، لا يمكن أنْ تتهيأ إلاّ بالسّير الموضوعي للتطور الاجتماعي نفسه. وقد ظل السيد المؤلف أمينا على هذا المحور حتى السطور الأخيرة من الكتاب.
* ولما كان الحديث عن الدين أيا كان يتطلب كشف العلاقة بين الروح والمادة، أعلن السيد المؤلف أن علاقة الروح بالمادة تكاملية وليس تصارعا. وقد أثبت العلم، خاصة بعد تطور الفيزياء النووية، أن المادة طاقة متجمدة، وأن الطاقة مادة متفجرة. فالقيم الأخلاقية خاضعة لذلك التكامل.* وانتقل الباحث إلى الحديث عن العلاقة بين الذات والآخر من وجهة نظر الإسلام. ونحن نعلم أنه توجد كثير من الكتب التي تبحث في الإسلام، غير أنّ معظمها لم يستطع التخلّص من الاضطراب في معالجة موضوعات التطوّر والنّهوض، إذ اهتمّ الكثير منها بتناول جوانب ثانويّة للمعضلات التي تواجه البشرية، من جهة؛ ومن جهة أخرى تصويرها للإسلام و كأنّه مجرّد قوالب جاهزة جامدة لا تقبل التطوير، متناسية إنّ القرآن، الذي عليه ترتكز التشريعات، وضع المبادئ العامّة والقواعد الكليّة، وترك للإنسان الباحث عن حاضر متطوّر ومستقبل أفضل أن يشيّد عليها، بجدّه واجتهاده وسعيه، ببناءاته الحضاريّة ذات المضامين الإنسانيّة، بحسب حاجات الزّمان والمكان والإنسان.
وقد أدى هذا التجميد إلى ظهور اتجاهات التطرّف في فهم الإسلام من غير اجتهاد ومن غير اعتماد على أسس علميّة إسلامية حقيقيّة، وباجتزاء النصوص من مواقعها وسياقاتها، والبناء على ذلك الاجتزاء. فتكوّنت للإسلام صور شتّى ما بين إفراط وتفريط.
في فصل آخر جاء عنوانه (الإسلام والتحولات العالمية المعاصرة) قرر الأستاذ المؤلف إن انتقال العالم إلى الأزمنة الحديثة، يرسم أمامنا سؤالا كبيرا ومهمّا جدا: تُرى هل تظلّ مبادئ الإسلام العامّة وقواعده الكليّة التي تضمنها الإسلام، صالحة للاستفادة منها في خضمّ هذه التحوّلات العالميّة؟ وهل تتوافق تلك المبادئ والقواعد والأهداف مع ما يجري في العالم الآن من تطورات وتغيّرات في الرّؤى والمفاهيم والتطبيقات؟!
وهو يرى أن من المؤكّد أن استفادة المجتمع من تلك المبادئ والقواعد بعقلية مستنيرة تتفهم واقعه واحتياجاته في هذا الزمن خاصة، يمكنه أن يتأهّل للتحوّل إلى دولة تستطيع أن تحقق إرادة التقدّم والتطور، فيما ينفع البشرية عبر النشاط والتفاعل بين جميع أفراد ذلك المجتمع من خلال تداخل المصالح وعلاقات العمل والإنتاج.
ولكن من المعلوم أنها قضايا معقّدة، يزداد تعقّدها في الأزمنة الحديثة، على وجه الخصوص. ففي طوايا كلّ مجتمع، وكلّ مكان يحلّ فيه ذلك المجتمع ثمّة متغيّرات على مختلف الأصعدة، ومكوّنات تراثية ومعاصرة، وأديان وأفكار، تتصارع أو تتكامل، إضافة إلى المتبنِيات الفكرية النظرية للسلطة القائمة في أيّ دولة من دول العالم، بغضّ النظر عن مدى ملاءمتها للواقع الموضوعي لعموم النّاس بفئاتهم كافة.
* في فصل لاحق يدخل السيد الباحث فصلا بعنوان (الإسلام وتطور المجتمعات البشريّة) ليؤكد أن الإسلام، كسائر الأديان، ظهر نتيجة حاجة المجتمع العربي لتغيير مسار حياته. قائلا: (ولا ريب في أنّ هذا الاتّساق في التطوّر الاجتماعي التاريخي للعرب بظهور القرآن الكريم، قد نقلهم من التقوقع في داخل جزيرتهم الصحراويّة، إلى الانفتاح على العالم الرحب، وقد مثّل هذا الانفتاح تحوّلا كانت له نتائج مهمّة جدا في تغيير المجتمع العربي ذاته. فقد نشأت عنه واجبات جديدة للفرد وللمجتمع، واقتضت تلك الواجبات القيام بالعمليات الاجتماعية الناشئة عنه، أي عن ذلك التحوّل، وبشكل يعمّ الاقتصاد والثقافة والعلاقات الاجتماعية والمواقف من الآخرين المختلفين عقيدة ورأيا وسلوكا، اي تحديد مسارات واقعيّة تجاه القضايا العامّة، ومعالجة مسائل أُخرى بارتباط وثيق مع الممارسة).
وبناء على فلسفته القائلة أنه (وطبقا لمبدأ التوارث والتطور، ذلك المبدأ الملازم لمتغيّرات التاريخ في كلّ مكان، توفّر المهاد اللازم للوعي بالدور الحضاريّ الجديد الذي على العرب الاضطلاع به، لإغناء الحضارة البشريّة، وتعميق الأحاسيس الإنسانيّة بالألفة والمودة والتعاون).
* وفي الفصل الخامس حدد الدكتور هادي حسن حمودي وجهة نظر الإسلام إلى الحياة ومفهوم المواطنة.
فالحياة في جميع الرسالات السّماويّة، لها حرمتها وقداستها، فلا يجوز إنتهاكها، ولا يجوز للإنسان، في عُرف الأديان جميعاً، أن يؤذي نفسه ولا أن يؤذي الآخرين. ذلك أنّ كلّ إنسان لديه نزعتان، نزعة لعمل الخير، ونزعة لعمل الشرّ، وهما نزعتان متفاوتتان بين البشر. وبهذا التفاوت يتمايز إنسان عن إنسان، فترى صفات الخير لدى هذا أكثر من صفات الشر، وترى نقيض ذلك لدى إنسان آخر.
* وفي الفصل السادس عالج السيد المؤلف واحدا من أخطر موضوعات الفكر الحالية، وهي العلاقة بين السلطة والشعب، كيف تتم؟ وكيف تنجح؟ وهل للإسلام موقف في هذا الإطار؟ وذلك الفصل حمل عنوان (الإسلام والعلاقات بين السلطة والشعب)
ويستخلص السيد المؤلف من مبادئ الإسلام العامّة وقواعده الكلّيّة رؤية خاصّة لفهم المجتمع الإنساني القابل للنموّ والتطوّر. على أساس ترابط الحرية بالمسؤولية، فلا حرية بلا مسؤولية..
يقول السيد المؤلف: (ولقد تبيّنّا أنّ تلك المبادئ والقواعد لا تأثير لها ما لم يكن ثمّة إنسان واعٍ يتفهّمها بعمق، وينطلق منها بأصالة وعقل متفتّح لكلّ نافع، سواء كان جديدا أم قديماً. وهذا التفهّم والانطلاق لا يتحقّقان إلاّ بالابتعاد عن التسطيح والشعارات الصاخبة، وإلاّ برفض التعصّب والتطرّف والغلوّ، ومقاومة الرّوح العدوانِية. وقد منع النّبيّ من مجرّد إخافة النّاس وترويعهم، ودعا إلى إماطة (أي رفع) الأذى عن طريقهم، وجعل ثواب ذلك الجنّة، فكيف يمكن أن تُنقل تلك القيم السمحة السّامية إلى ممارسات العدوان وقتل الأبرياء وإباحة الدماء).
* أكاديمي تونسي – المونستير - تونس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. د. هشام حسن

    أولا: تثبت جريدة المدى الرائعة أنها فوق الانحصار في إطار فكري إلا الإطار الإنساني الثقافي بنشر الفكر الحر. ثانيا: المقال يتناول الكتاب تناول علمي وقراءة علمية ثالثا: الكتاب نفسه معالجة دقيقة لقضايا مهمة وخطيرة كالتي تناولها في القضايا المعاصرة وتشابكات

  2. د. سعيد أحمد النعيمي

    في زمن سيادة الخرافة والأساطير والتجارة بالدين نحن بحاجة إلى توعية الجماهير بالحقائق. قرأت كتاب الأستاذ العراقي المغترب الدكتور هادي حسن حمودي والمعنون (الإسلام من الثابت إلى المتغير) أرى أنه يصلح لحقات نقاشية واستخلاص ما ينفع العراق الآن. وعرض الأخ التون

  3. د. أحمد نعمة

    تثبت (المدى) جريدة ومؤسسة أنها للمثقفين العائشين مع آلام الناس وآمالهم، يجسدون الأمل ويعيدون للفكر صفاءه. هذا المقال رائع، وقرأت الكتاب ونشرت عنه. وهو الوجه الحقيقي للإسلام الذي لا تريده المسطحون فكريا ولا الإرهابيون. شكرا للمدى وللمفكر العراقي المستنير

يحدث الآن

بينهم عراقيون.. فرار 5 دواعش من مخيم الهول

هزة أرضية ثانية تضرب واسط

الصدر: العداء مع أمريكا أبدي ما دام ترامب موجوداً

البيت الأبيض: المساعدات الأمريكية أنقذت زيلينسكي من الموت

إدارة ترامب تطلب من العراق استئناف نفط الإقليم أو مواجهة العقوبات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram