TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا نصارى اشصار بيكم؟

يا نصارى اشصار بيكم؟

نشر في: 25 ديسمبر, 2017: 05:46 م

قبل قرن من الزمن قرّر الأب أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة يصحّح أخطاء عباس محمود العقاد في تاريخ الحضارة الإسلامية، ويكتب لمحمود تيمور عن الامثال العامية، ويجادل الشيخ عبد الله العلايلي في فلسفة أبو العلاء المعري، وقرر أن يعقد مجلسه يوم الجمعة لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فداخل كنيسة اللاتين التي اتخذها مقراً له اعتاد المسلمون واليهود والمسيحيون التردد عليه،، والكل يلتزم بالشعار الذي خطه الكرملي داخل مكتبه " ممنوع الحديث في الدين والسياسة "، فبماذا كانوا يتحدثون؟ كانت اللغة والفكر والثقافة والتعليم هي الأهم في المجلس، وهو ما كان أبونا الكرملي يعتقد أنها السبيل لرقيّ العراق وتقدمه ومن دونها سندخل في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يكدّون عرقاً ويسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وانتماءها وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، وكان يؤكد لكل من يسأله عن أحوال العراق أنّ التعليم يبقى أهم من كل قرارات الدولة، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام وتمجّد أبطاله، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى لندن وموسكو وإسطنبول وباريس يجمع المخطوطات الإسلامية، ليقدّم أكثر من مئة كتاب تروي حكاية التراث العربي الإسلامي. ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية في بلاد العرب، ومن أربيل جاءت المرأة المسيحية الجميلة عفيفة إسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم.
هذا العراق الذي بُني بمشقّة نساء ورجال عظماء من أجل أن يكون جرماً مضيئاً في مدار الأُمم، لا حلقة في ذيل اهتمامات أنقرة وطهران والرياض وأخيراً يحاول إرضاء بشار الأسد.
طُرد المسيحيّون من ديارهم الأم في العراق،، وقُتلوا بدم بارد، فيما تنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الاول يشرّع قوانين تحوّل الإخواني سليم الجبوري الى زعيم الحركة المدنية، والثاني يضحك عليهم بشعارات من عيّنة ما أطلقه " المفكّر " جمعة العطواني :" إن العلمانيين يحركّون جماهيرهم من خلال الملاهي !" .
سلام عليكم أيها الآباء الطيبون، سلام على العراق وهو يلوذ بكم حاملاً صليبه، سلام على الكرملي وفهد وكوركيس عواد ورفائيل بطي وعبد المسيح وزير وعمو بابا وعفيفة إسكندر، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامح أهلنا، فيا أبناء جلدتي، كلانا سينتصر في النهاية، وسنظلّ نغنّي مع محمد القبانجي: يا نصارى اشصار بيكم؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. الشمري فاروق

    ستيم الجبوري...اخواني متخلف لا يمكن ان يكون ...(مدنيا) مهما ادعى وتلون!!! العطواني طائفي بامتياز...واكثر تخلفا وبؤسا ثقافيا من الجبوري... أذا كان الغراب دليل قوم يدلهم على ارض الخراب 0

  2. أم رشا

    استاذ علي المحترم بالرغم من ان قلبي اعتصر حزنا وانا أقرأ مقالتك الا أنني شعرت بالفخر لتاثير أولئك الإعلام على ثقافتنا وثقافة الأجيال التي سبقتنا والتي أبدعت واخلصت في كل المجالات الادبيه والعلمية والاجتماعية والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان هؤلاء المبدعين ق

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram