قبل قرن من الزمن قرّر الأب أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة يصحّح أخطاء عباس محمود العقاد في تاريخ الحضارة الإسلامية، ويكتب لمحمود تيمور عن الامثال العامية، ويجادل الشيخ عبد الله العلايلي في فلسفة أبو العلاء المعري، وقرر أن يعقد مجلسه يوم الجمعة لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فداخل كنيسة اللاتين التي اتخذها مقراً له اعتاد المسلمون واليهود والمسيحيون التردد عليه،، والكل يلتزم بالشعار الذي خطه الكرملي داخل مكتبه " ممنوع الحديث في الدين والسياسة "، فبماذا كانوا يتحدثون؟ كانت اللغة والفكر والثقافة والتعليم هي الأهم في المجلس، وهو ما كان أبونا الكرملي يعتقد أنها السبيل لرقيّ العراق وتقدمه ومن دونها سندخل في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يكدّون عرقاً ويسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وانتماءها وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، وكان يؤكد لكل من يسأله عن أحوال العراق أنّ التعليم يبقى أهم من كل قرارات الدولة، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام وتمجّد أبطاله، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى لندن وموسكو وإسطنبول وباريس يجمع المخطوطات الإسلامية، ليقدّم أكثر من مئة كتاب تروي حكاية التراث العربي الإسلامي. ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية في بلاد العرب، ومن أربيل جاءت المرأة المسيحية الجميلة عفيفة إسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم.
هذا العراق الذي بُني بمشقّة نساء ورجال عظماء من أجل أن يكون جرماً مضيئاً في مدار الأُمم، لا حلقة في ذيل اهتمامات أنقرة وطهران والرياض وأخيراً يحاول إرضاء بشار الأسد.
طُرد المسيحيّون من ديارهم الأم في العراق،، وقُتلوا بدم بارد، فيما تنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الاول يشرّع قوانين تحوّل الإخواني سليم الجبوري الى زعيم الحركة المدنية، والثاني يضحك عليهم بشعارات من عيّنة ما أطلقه " المفكّر " جمعة العطواني :" إن العلمانيين يحركّون جماهيرهم من خلال الملاهي !" .
سلام عليكم أيها الآباء الطيبون، سلام على العراق وهو يلوذ بكم حاملاً صليبه، سلام على الكرملي وفهد وكوركيس عواد ورفائيل بطي وعبد المسيح وزير وعمو بابا وعفيفة إسكندر، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامح أهلنا، فيا أبناء جلدتي، كلانا سينتصر في النهاية، وسنظلّ نغنّي مع محمد القبانجي: يا نصارى اشصار بيكم؟!
يا نصارى اشصار بيكم؟
[post-views]
نشر في: 25 ديسمبر, 2017: 05:46 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
معرض العراق الدولي للكتاب: بوابة نحو التميز الثقافي والتضامن الإنساني
النفط يتصدر المشهد وتبدلات مفاجئة في ترتيب دوري نجوم العراق بعد الجولة الثامنة
العراق يُطلق منصة لتنظيم العمالة الأجنبية وتعزيز الرقابة الإلكترونية
العراق تحت قبضة الكتلة الباردة: أجواء جافة حتى الاثنين المقبل
ضبط طن مخدرات في الرصافة خلال 10 أشهر
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
جميع التعليقات 2
الشمري فاروق
ستيم الجبوري...اخواني متخلف لا يمكن ان يكون ...(مدنيا) مهما ادعى وتلون!!! العطواني طائفي بامتياز...واكثر تخلفا وبؤسا ثقافيا من الجبوري... أذا كان الغراب دليل قوم يدلهم على ارض الخراب 0
أم رشا
استاذ علي المحترم بالرغم من ان قلبي اعتصر حزنا وانا أقرأ مقالتك الا أنني شعرت بالفخر لتاثير أولئك الإعلام على ثقافتنا وثقافة الأجيال التي سبقتنا والتي أبدعت واخلصت في كل المجالات الادبيه والعلمية والاجتماعية والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان هؤلاء المبدعين ق