TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليسَ سوى العراقْ

ليسَ سوى العراقْ

نشر في: 24 ديسمبر, 2017: 06:11 م

بدأ السيّاب حياته يكتب للأمل والحياة والحب، وانتهى بعذابات المرض والغربة وحيداً في مستشفيات الكويت، لن يكتب الشعراء من بعده قصيدة مثل "غريب على الخليج" :
بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانة.. هي دورة الأفلاك في عمري.
ولن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ماعاتب السيّاب:
البحر أوسع ما يكون وأنتَ أبعد ما تكون.. و البحر دونك يا عراق
لم يكن السياب يُدرك أنه سيبهر كلّ من قرأ كلماته التي أرادها في البداية مثل قوس قزح ملّون بالأمل والحياة. ومثلما نتأمل في مرارات السياب وذكرياته، ونتذكر تلك الجواهر من القصائد التي زيّن بها الشعر العربي، نتذكر ذلك الفتى النحيف الذي حطّ الرحال من البصرة قاصدا دار المعلمين العالية ليلتقي نازك الملائكة..الأول كتب قصيدة " هل كان حبّاً " والثانية نشرت قصيدتها " الكوليرا "، فيما كان عبد الوهاب البياتي يستعدّ لإصدار ديوانه " ملائكة وشياطين " الثلاثة تنبأوا بأن رحلة الشعر العربي الحديث ستبدأ معهم وستستمر أعواماً وأعواماً تحت ظلالهم.. الشاب الذي وقف أمام الميكرفون جاء يحمل فقر الحال وغنى الأحلام ليصوغ منهما صورة لوطن جديد، كانوا يحلمون بوطن بوسع القلب اسمه العراق، فوجدوا عسكراً يريدون للغناء أن يهتف بحياة القائد الملهم، جاؤوا ومعهم حلم السياب بأن لايعيش غريبا على الخليج.. وأن لايصرخوا سدى.. عِراقُ، عراقُ..ولا يردُّ سوى الصدى.
نصف قرن وثلاثة اعوام على رحيل السياب " من أجل لا شيء.. و18 عاماً على رحيل عبد الوهاب البياتي حزينا في دمشق، وعشرة أعوام على إغفاءة نازك الملائكة الأخيرة في القاهرة، ونحن نعيش سنوات من الأسى والخراب، فيما خيول داحس والغبراء منشغلة بنزاعات الثأر والطائفية، من البصرة الى بغداد والأنبار والموصل وميسان وصلاح الدين، يصرّ ساستنا الأشاوس على نقل المعركة من أجل العدالة الاجتماعية والقانون والرفاهية والمستقبل الى معركة ختمها " كبيرهم " بأنها معركة "المصاحف" ثم حرب من أجل المناصب والمغانم، لا أمل أن يعلو صوت الغناء والموسيقى، فلا صوت يعلو على صوت الخراب.. وطبول الطائفية.. وأهازيج الانتهازية.
نتذكر السياب مثلما نتذكر أنَّ الشعرَ والغناء تجربَةٌ ومنفى، ونسمع محمود درويش يغنّي : أتذكّر السيّاب أنّ الشعر يولد في العراق.. فكن عراقيّاً لتصبح شاعراً ياصاحبي.
نتذكّر السيّاب، " ونحن لم نحلُمْ بأكثر من حياة كالحياةِ، وأن نموت على طريقتنا: عِراقُ.. عراقُ.. ليس سوى العراقْ ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram