adnan.h@almadapaper.net
"الفيلم" البوليسي الذي شهدته مدينة السليمانية منذ أيام ومثّل فيه دور البطولة جهاز الأمن (أسايش) ما كان مسليّاً ولا هو بالمقبول. إنه من صنف الأفلام غير الجدير بالإنتاج والعرض إلا في حقبة الأنظمة الشمولية التي صارت خارج نطاق التغطية الآدمية.
اجتياح مكاتب قناة "أن آر تي" وإغلاقها والاعتداء على العاملين فيها وحبسهم لبعض الوقت واعتقال بعض المسؤولين عنها، عدوان صارخ على الدستور والقانون، وعلى الرأي العام الكردستاني والعراقي عموماً.
نعم، هو عدوان سافر وهمجي لأنه تمّ بوسائل العنف، ولأنه قبل هذا، لا يستند إلى أي قانون، فالهجوم على القناة ووقف العمل فيها لم يكونا بإذن من القضاء. حتى لو كان هناك إذن قضائي، فإن التعامل مع العاملين في القناة بعدوانية وهمجية لا يُمكن القبول به وتبريره بأي حال من الاحوال، بل يتعيّن التنديد به ومواجهة الذين قاموا به والذين أمروا بارتكابه بالردع الحاسم وبالإحالة إلى القضاء لمحاسبتهم عن جريمتهم مكتملة الأركان.
إذا كانت الذريعة وراء فعلة الأسايش الشنيعة أنّ القناة قد ساهمت في التحريض على التظاهر في السليمانية وسواها من المدن الكردية، عمداً أو غفلةً، فالتصرّف الوحيد الذي كان على سلطات محافظة السليمانية وجهاز الأسايش اللجوء إليه هو التقدّم بشكوى عاجلة إلى القضاء الذي له وحده الحق في تقرير الخطوة التالية استناداً الى الوقائع المتوفرة له.
جهاز الأسايش تصرّف في هذه القضية بوصفه الخصم والحكم من دون وجه حقّ ومن دون تخويل. وبفعلته هذه إنّما يُعيد الى أذهاننا صورة جهاز الأمن في عهد نظام حسين الذي سام الكرد سوء العذاب وانتهك الأعراض وسائر المحرمات.. ما أدرانا أنّ الأسايش لا يفعل الشيء نفسه الآن في مقرّاته وأقبيتها، ما دام يستسهل إلى هذه الدرجة الاعتداء على مؤسسة إعلامية وإهانة العاملين فيها وقطع أرزاقهم، والأهم مصادرة حرية تعبيرهم التي كفلها الدستور؟!
لسنا في زمن الدكتاتوريات، أكانت حزبية أم عائلية أم فردية .. وليست الديمقراطية التي اختارها العراقيون، وبينهم الكرد، نظاماً لحكمهم، مجرد ديكور يزيّن قصور العائلات الحاكمة، قابل للتغيير والتحطيم بأمر من أفراد في هذه العائلات، لكي يتصرّف جهاز الأسايش بهذه الطريقة المشينة التي لن تكسب منها إدارة إقليم كردستان، إن في السليمانية أو أربيل، غير كراهية الشعب لهذه الإدارة والقائمين عليها وتوسيع الشقّة القائمة الآن بين الشعب وهذه الإدارة.
للتذكير .. لمجرد التذكير، إنّ الإرهاب السافر الذي مارسه جهاز الأمن العراقي (البعثي) في عهد صدام في حقّ الكرد وسائر العراقيين لم يحفظ لنظام صدام سلطته وسطوته .. وفي السليمانية والبلدات التابعة لها بالذات، كانت نهاية عناصر الأمن والمخابرات إبان انتفاضة آذار 1991 فجائعية، ذلك أن أحداً لم يستطع الوقوف في وجه إرادة الانتقام لدى الناس العاديين ثأراً لكرامتهم ولضحاياهم.
هل تريد الأسايش للتاريخ أن يعيد نفسه؟