(مجتزأ من نص طويل في الفقد والهجاء)                

أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كَيْ أتلمّس حُروفَ قَصيدتي
وَأقرأُها بِطريقةِ (برايل)
وَأُحَرّكُ شفتيّ حِينما أَتَهجّاها
وَأزيلُ الممنوعَ مِن الصّرف
عَن الكَلمات التي لاتُصرف
وأجزمُ ما لا يُجزم
وأحرّكُ أفْعالَ الأمر
أمّا أفعال الماضي
سَألقيها في سَلّةِ النّسيان
وَأبْني لَها سِياجا
بِفَتحات كَثيرة
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كَيْ أطردَ خَفّاشاً
يَلتَصقُ في قَلبي
وَهذا يلزمني
أن أحضرَ لهُ مِرآةً مِن ذَهَب
سَأبحَثُ في مَنجَمِ قَلبِكِ
رُغم أني أعرف
أن البحث سيستمر طَويلا
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كَي لا أعبر الشَّطَّ
بزورقٍ مثقوبٍ
وَبمجذافٍ مِن غير جناح
فأنا لم أتعلّم العوم في صغري
رغم قرب الشط من سكني
وكنت أنظرالى كل مسطح مائي
بخوف شديد
أذكر أنني جربت الغرق
وانتشلوني من الشط
حينها افرغوا الماء من رئتيّ
فركضت الى البيت بقلب سمكة
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كَي لا أبرر هذا الخواء
الذي يطفح على الورق
تحت عناوين ومسميات كثيرة
وأحشر نفسي في جدالات
لا معنى لها
أنتقي مواقفي لضرورات شخصية
تارة أتجه يسارا
وتارة أختار اليمين
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي لا يلومني أحد
عندما أتكلم باستخفاف
وأمشي القهقرى
ولا أدلو بدلوي
وأنا أستمع الى حوار الطرشان
في سوق الصفافير
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي أجلس مسترخياً
على (مِسنّاية) شط الحلة
أدير رأسي الى جهة الماء
وأرسل نظراتي
إلى الجسر القديم
محدقاً بالمحلات القريبة
من (الشريعة)
مخترقاً سوقها المسقوف
لأستكشف الخطوات السريعة
التي هربت في بستان طفولتي
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي لا أسامح نفسي
حينما كتبت نصا بدافع الفوبيا
ولم يجبرني أحد على ذلك
في زمن مضى
كتبته بعد استدعائي
الى الشعبة الخامسة
أثناء خدمتي العسكرية
لكنه لم يشفع لي
فنقلت الى جبهة الحرب
مع جنديين عليهما علامات استفهام
واحد أسر بعد يومين
والآخر فرّ من الخدمة العسكرية
أما أنا رأيت نجوم الظهر
بعيني الذابلتين
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي أطعم عصفور كلامي
بأصناف نادرة
من فاكهة الجمر
وأسلق أيامي
بماء العمر
وأريق بلا وجلٍ
كلَّ دنان الخمر
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي أسخر من هذي الحرب
التي تأكل معنا
في صحن واحد
وتتهمنا بأننا أشره منها
وتقول لنا بسخرية
أنتم من مشيتم لي
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي أحمل في كفي ماءا فراتا
وأسقي زهرتك
أنا لا أشرب الماء من عطشي
أشربه كي ينتعش القلب
الذي يحتوي زهرتك الوحيدة
***
أريدُ أن أكون شاعِراً صَغيراً
كي أتأنّى في اختيار
رفاق السفر
دائماً أضع نصب عيني
مقولة ذهبية
سافر مع الكريم وكن مثله
ولهذا لست مستعداً
أن أبدّل رفاق سفري
وإن اقتضت الحاجة
أسافر وحدي
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي أبتعد عن الضغائن والأوهام
وأرفض أي حوار يُجرى معي
طالما انني أضع الأسئلة
و لا أعلن صفة لإسمي
فأنا كما أعلنت في قصيدتي (نياشين)
حيث قلت
من يعرفني؟
أنا محمد كاظم جواد
المتوج بأسئلة لا تنتهي
والمطعون بآلام مبرحة
المولود عام 1957
تلك المواليد التي بصقت
بوجهها الحروب
وبالت على ايّامها الانكسارات
***
أريدُ أن أكونَ شاعِراً صَغيراً
كي لا أطعن من الخلف
قصيدتي الموزونة
وإن شعرت برتابة ايقاعها
سأدقّ بأصبعي
على طاولة مستديرة
أو أذهب للبحر
وأستمع الى ايقاع الموج
وحينما أحتاج الى قافية
سأختمها بحرف اسمك