adnan.h@almadapaper.net
لرئيس الوزراء حيدر العبادي أو سواه من المتنفذين في السلطة في بغداد إصبع في حركة التظاهرات الجارية في إقليم كردستان، مُمكن.. ولإيران يد في هذه الحركة، مُمكن أيضاً.
هذا كلّه على وفق ما يُفهم تلميحاً من بيان مجلس أمن الإقليم الصادر يوم الاربعاء الماضي، وتصريحاً في أحاديث ومقابلات لمسؤولين كرد. لكنّ اصبع العبادي أو غيره ويد إيران ما كان سيكون لهما دور في تحريك الشارع الكردي لولا العوامل المحلية والبيئة المناسبة لانطلاق حركة احتجاجية من النوع الذي حدث، بل هي بيئة مناسبة لما هو أبعد وأقوى ممّا حدث حتى الآن، وهذا ما يتعيّن أن تنظر فيه وتتبصّره القيادات الكردستانية جميعاً قبل أن تذهب بنظرها بعيداً الى ما وراء الحدود... فالجوع كافر، وثورة الجياع مدمّرة.
في مناسبتين على الأقل، قبل 2003 وبعدها، نبّهتُ أحد الزعماء الكرد، أثناء مهمات صحافية، إلى أن تجربتهم مُهدّدة بالتقويض من الأساس مع ظهور علامات واضحة على الفساد الإداري والمالي في الإقليم.. في المرتين أقرّ الرجل بوجود الفساد لكنّه سعى للتهوين منه كثيراً، معتبراً أن هناك”مبالغة في المعلومات”المتواترة في هذا الصدد، وأن إدارة الإقليم جادّة في مكافحة الفساد.
نعم كانت هناك مبالغة، لكنْ ليس في المعلومات عن الفساد التي كانت تنشرها الصحافة المحلية (بعض الصحفيين الكرد دفعوا حياتهم ثمناً لنشر بعض هذه المعلومات)، وتتداولها الألسن في الاوساط الحكومية والحزبية وينطق بها روّاد المقاهي والمطاعم بصوت عال، إنما المبالغة في ما كان يُزوّد به ذلك الزعيم الكردي من معلومات تنفي حصول الفساد أو في أحسن الأحوال تهوّن منه وتخفّف من وطأته، وهي معلومات مصدرها الرئيس على الأرجح فاسدون ممّن يحيطون بالزعيم.
في الإقليم، كما في سائر مناطق العراق، يقف الفساد الإداري والمالي وراء جملة الشرور الحاصلة. والفساد هو الابن الشرعي لنظام المحاصصة الذي أوجدته الطبقة السياسية الكردية في تسعينيات القرن الماضي قبل أن تنتقل عدواه إلى بغداد وسائر المحافظات بعد 2003.
وفي الإقليم، كما في سائر مناطق العراق، الفساد تجاوز كل الحدود والخطوط، وما كان لهذا أن يكون غير العواقب الوخيمة الماثلة للعيان الآن، إن في الإقليم أو في العراق كلّه.
ما كان صعباً على أيّ إنسان أن يلحظ الشواهد الصارخة على الفساد في الإقليم، فبينما لم يكن أحد من مناضلي الحركة القومية الكردية يمتلك شيئاً غير بندقيته حتى 1991، صار العشرات، بل المئات من أولئك المناضلين القدامى يملكون الاراضي الواسعة والعقارات الثمينة، بل مجمعات عقارية بأكملها، فضلاً عن الشركات والوكالات، داخل الإقليم وخارجه.. كلّه بما تّقدر قيمته بعشرات ومئات ملايين الدولارات!
لا أحد من المتنفّذين في الإقليم - كما في السلطة الاتحادية في بغداد وسلطات المحافظات - مُستثنى من تهمة الفساد الإداري والمالي.. كلهم تقريباً كانوا فاسدين، وما زالوا.. قلّة نادرة للغاية احتفظت بشرفها ونزاهتها. حتى الذين يرفعون الآن أصواتهم عالياً ضد الإدارة السيئة للإقليم، وحتى الذين يحرّضون بقوة على التظاهر والتمرّد، هم فاسدون حتى النخاع في الواقع.
أي محاولة لحرف الأنظار عن أُسّ القضية هذا لن تفيد في شيء، مثلما لن تفيد في شيء سياسة العقوبات التي تنتهجها حكومة العبادي حيال الإقليم، وهي سياسة يقف وراءها قصر نظر سياسي، فهذه العقوبات ليس مُقدّراً لها، على المدى البعيد، غير تعزيز نزعة الاستقلال لدى الكرد، والسعي لتحقيقه بوتيرة أسرع وأقوى ممّا يفكّر به مسعود بارزاني.