TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اختفــاء قســـري

اختفــاء قســـري

نشر في: 22 ديسمبر, 2017: 09:01 م

أعتقد أن أصعب حالة يمكن أن تعيشها أم أو زوجة هي انتظار مالايأتي..ومن سوء حظ النساء العراقيات إنهن عشن هذا الانتظار لأكثر من مرة وبأزمان مختلفة، فقد عاشت نساء من أطلق عليهم (المفقودين) في الحرب العراقية –الايرانية مرارة لايمكن وصفها بانتظار عودتهم من المجهول فلا رسالة منهم تثبت كونهم أسرى ولاجثة تثبت وفاتهم، وهكذا غاب المفقودون مع أسرار فقدانهم تاركين أحبتهم يعيشون انتظاراً مضنياً..بعدها بسنوات، غيب النظام الدكتاتوري الحاكم في العراق أعداداً كبيرة من أبناء المحافظات التي شاركت في الانتفاضة الشعبانية في اختفاء قسري وظلت المرارة تملأ قلوب اهاليهم الى أن سقط النظام وانكشفت بعض الأسرار فكان من حسن حظ الأهالي ان عثروا على عظام أحبتهم المفقودين في أكثر من مقبرة جماعية..
واستمر مسلسل الاختفاء القسري في السنوات اللاحقة ولكن في ظل ظروف جديدة، فهنالك من اختفى خلال أحداث العنف الطائفي وضاع دمه بين القبائل ولم يتمكن أهله من اتهام جهة ما باختطافه لدرجة إن من عثروا على جثث أحبتهم في دائرة الطب العدلي أو بين أكوام النفايات كانوا محظوظين جدا لأنهم قاموا بدفنهم بأنفسهم، وهنالك من ساقته الأقدار الى أن يكون ضحية مجزرة سبايكر وظل أهله حائرين بين أن يعتبرونه شهيداً من بين الذين أطلق عليهم مسلحو داعش الرصاص وألقوهم في النهر أو من بين الناجين الذين اختفوا قسرياً لإخفاء أسرار المجزرة، ومابين المصيرين الأسودين، تتفتت قلوب الأمهات كمداً بانتظار من لايأتي..
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تكررت حالات الاختفاء القسري في مناطق جزيرة تكريت والموصل والرزازة والصقلاوية وكركوك واختفى العديد من المواطنين في حوادث معروفة وعلى يد مسلحين أو ميليشيات حكومية أو ترتدي اللباس الحكومي ولم تجد نفعاً تلك الشكاوى العديدة التي تقدم بها أهاليهم الى الجهات الحكومية و منظمات حقوق الانسان داخل العراق وخارجه فقد غابوا مع أسرارهم لتظل تلك الأسرار حبيسة في صناديق محكمة ولاتفوح الروائح النتنة لأفعال من يقف وراء اختفائهم..
يمكن تعريف الاختفاء القسري حسب الاتفاقية الدولية لحماية الاشخاص من الاختفاء القسري بأنه اعتقال او احتجازأو اختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة او أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون باذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيرالشخص المختفي أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون"وعلى الرغم من انضمام العراق الى هذه الاتفاقية في عام 2010 إلا أن الحكومة العراقية لم تعمل على اعادة المفقودين الى اهاليهم او الكشف عن أسرار اختفائهم ولاأظن أنها ستخاطر بذلك حتى لو توصلت الى فك ألغاز تلك الاختفاءات فمن الغباء أن تكشف الحكومات ظهورها لشعوبها!!
مؤخراً، عادت حوادث اختفاء العراقيين لتتصدر اخبار أنشطة المسؤولين فقد وجدوا فيها اوراقاً انتخابية جاهزة وهكذا عملوا على استدعاء اهالي المفقودين أو زيارتهم في مناطقهم لطمأنتهم على وجود عيون ساهرة لن تنام حتى تبلغهم بمصائر ابنائهم أوتعيدهم اليهم..وهكذا تبدأ مهزلة جديدة من مهازل الانتخابات يلعب فيها السياسيون على نياط قلوب الامهات، وإذا كانت القوانين الدولية تعتبر الاختفاء القسري جريمة ضد الانسانية، فالممارسات الانتخابية لدينا هي جريمة أبشع ضد أهالي المفقودين..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram