اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الخيال.. مشكلة أحياناً

الخيال.. مشكلة أحياناً

نشر في: 22 ديسمبر, 2017: 09:01 م

غالباً ما يقوم الرسام الجيد بتحريف الواقع الذي يرسمه، ولا يحاكيه محاكاة حرفية، يضيف شيئاً هنا ويُغَيِّرُ تفصيلاً هناك، يحذف أشياءً ليس لها حاجة في الرسم ويطلق لخياله العنان لإبتكار خيارات وحلول تشكيلية مناسبة، يُجَرِّدُ ملامح الواقع ليجعلها في النهاية خلاصة لرؤيته وفهمه لمعنى الرسم. لكن مقابل كل هذه الحرية في رسم اللوحة ومعالجتها بطريقة ذاتية ومختلفة عما هو موجود في الطبيعة، هناك رسامٌ واحدٌ فقط لا يحق له القيام بذلك، رسام يجلس في مكان محدد ويقوم بعمله دون إضافات او مبالغات او تغييرات، رسام لا يستخدم خياله على الإطلاق، وان استخدمه، فهو بذلك يرتكب مشكلة كبيرة تلقي بظلالها على مسيرة عمله كلها، وتحيله الى مساءلات قانونية. وأقصد هنا الرسام الذي ينفذ رسوماته داخل قاعات المحاكم، والذي يجب عليه عدم الانقياد لخياله بعيداً عن أرض الواقع.
فكرتُ بذلك وأنا أقرأ وأتابع موضوعاً حول أحد (زملاء المهنة) والذي رَسَمَ داخل المحكمة امرأة كانت متهمة بجناية ما، وقد أظهرها بمظهر أقرب لساحرة مخيفة ومحتالة، لينشر الرسم في الصحف حول هذه المرأة (الشريرة) وتنطبع تلك الملامح التي صورها الرسام في أذهان الناس، ليتضح بعد فترة ان هذه المرأة بريئة بالأدلة القاطعة. وظهرت على التلفاز وقد بدت جميلة ولطيفة وجذابة. وهنا تسلطت الاضواء الصفراء على الرسام الذي لم يكن أميناً، وقد تجاوز حدوده وإستخدم خياله ليضيف للمرأة أشياءً غير موجودة في الواقع، فكان مثالاً سيئاً لرسامي المحاكم.
عادة ما يمنع التصوير الفوتغرافي وتصوير الافلام داخل المحاكم، حتى لا يتم التشويش على سير المحاكمة، لكن بما ان وسائل الاعلام والناس يريدون التعرف على تفاصيل القضايا، لهذا يقوم بعض الرسامين بهذا العمل. لكن هناك نوع من الضوابط على الفنان مراعاتها، وهي أن يكون أميناً لما يراه وحيادياً، وان يكون الرسم حرفياً وواقعياً ومباشراً، وبالإمكان رسم اكثر من شخصية في الرسم لإظهار الموقف المناسب، والانتباه لمظهر المشتبه به وهيئته الخارجية، إن كان ودوداً أم عدوانياً، وهل هو شاب أم كبير في السن. وهنا يجب على الرسام ان لا يعكس رأيه فيما يتعلق بالمحاكمة. ليس هذا فقط، بل ان الرسام هنا ليس حراً في إختيار مكانه داخل قاعة المحكمة، إنما هو محدد ببضعة مقاعد عليه ان يختار واحداً منها، وهذه المقاعد تكون عادة على جانب المتهم، وتميل بعض الشيء الى الخلف. كذلك على الرسام الذي يحترف هذا العمل أن يحصل على إذنٍ من المحكمة والمحامي ليقوم بإنجاز الرسوم التي تُنَفَّذُ في الغالب بوسائط سريعة مثل أقلام الفحم والرصاص وبعض الاحبار والأقلام الملونة.
وتزداد قيمة هذه الرسومات بأهمية القضية وشهرة المتهم، ويمكن أن تباع بأسعار مرتفعة مثلما يحدث في المحاكمات الكبيرة، وفي محاكمات أخرى تضطر بعض الصحف لإستئجار رسام معين ليوم كامل، حتى تنال السبق الصحفي وتنشر الرسومات مع أخبارها.
وكما أن رسام المحاكم لا يسعى عادة لعرض أعماله في المتاحف وصالات العرض، كذلك ليس بإستطاعة كل الرسامين الآخرين أن يقوموا بهذا العمل كما يجب. فالرسام هنا يجب أن يكون ماهراً، متمكناً من أدواته الواقعية وسريعاً في التنفيذ، ويعكس مناخ المحاكمة بشكل واقعي. عليه ايضاً أن يخزن بعض ايماءات وملامح المتهم في ذاكرته، وذلك لأن بعض المحاكم تمنع حتى الرسامين من الدخول، لهذا يدخل الرسام لمتابعة المحاكمة ويخزن التفاصيل في ذهنه، ليخرج بعدها مسرعاً بإتجاه أقرب مقهى، وهناك يُنَفِّذُ الرسم المطلوب بوقت قياسي، ويقوم بتسليمه مباشرة الى الجريدة التي يعمل لصالحها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram