ألف النمساوي فرانس شوبرت (1797 - 1828) ثلاثة قطع للبيانو في أيار سنة 1828، لكنها لم تنشر إلا بعد أربعين سنة، في 1868. لم يتمكّن من نشرها سوى الموسيقار الألماني الكبير يوهانس برامز الذي كان معجباً بموسيقى شوبرت لدرجة كبيرة. فالاثنان كانا يشتركان في حبهما لقطع البيانو القصيرة. لكن كلمة القصيرة هنا لا تعني على الاطلاق أعمالاً أقل قيمة من سواها. فكما عودنا شوبرت على تكثيف قصيدة شعرية كاملة في بضعة دقائق من أغانيه الرائعة، يكثف في مقطوعاته الصغيرة للبيانو هذه خلاصة فنه الراقي. لكن بعض الدراسات تتساءل إن كانت هذه القطع تشكل عملاً واحداً أم لا. فالمقطوعة الثالثة كتبت على ورق مختلف عن الورق الذي كتبت عليه القطعتان الأولى والثانية، وقد يكون برامز من جمعها بهذا الشكل.
العنوان الأصلي للمقطوعات القصيرة الثلاثة هو إمبرومبتو، والكلمة فرنسية تشير الى عمل قصير حر، قد يكون مرتجلاً أو وليد اللحظة الموسيقية (ولهذه شكلها الخاص بها، اسمه "لحظة موسيقية"). لكن هذه القطع تختلف عن أعمال شوبرت الأخرى المكتوبة تحت اسم امبرومبتو، وقد يكون ذلك سبباً في إطلاق تسمية "قطع بيانو" عليها. قام برامز عند نشره القطع بإعادة استعمال أجزاء شطبها شوبرت في المخطوطة، مثل المقطع الرابع "ج" من القطعة الاولى في مي بيمول الصغير المكتوبة على صيغة أ – ب – أ – ج – أ. لا يعرف سبب شطب شوبرت لهذا القسم، لكن على الأرجح أنه شطبها لاعتبارات تتعلق بطول القطعة، فهي أطول من القطعتين الثانية والثالثة. يبلغ طول القطعة الأولى مع الجزء ج أكثر من ربع ساعة، في حين يبلغ طول القطعتين الثانية والثالثة 12 و 5 دقائق على التوالي. وقدم العازفون هذه القطعة وفق رؤية برامز لحد السنوات الأخيرة، عندما أخذ بعضهم يميل الى تنفيذ رغبة شوبرت وحذف هذا المقطع.تبرز القطعة الثانية المكتوبة في سلم مي بيمول الكبير بغنائيتها المميزة الساحرة، ولا عجب، فشوبرت من أهم الموسيقيين الغنائيين، فقد دفع بشكل الاغنية (ليد) الى الصدارة إلى جانب الأشكال الاخرى التي انتعشت في الفترة الرومانتيكية، بعد أن كان شكلاً مهملاً رغم العدد الكبير من الأغاني التي ألفها السابقون، على الخصوص يوزف هايدن الذي ألف الكثير منها، بعضها باللغة الانكليزية استناداً الى الأغاني الانكليزية الشعبية.
كتب شوبرت هذه القطع قبل وفاته المبكرة بستة أشهر، وقتها أنجز أعمالاً رائعة مثل السيمفونية رقم 9 في دو الكبير وآخر ثلاث سوناتات للبيانو والقداس الجميل. كان شوبرت وغيره من الموسيقيين الكبار يعيشون في فيينا وقد خيم عليهم ظل بيتهوفن العظيم، لهذا تأخر الاحتفاء بهم وتقدير قيمتهم الحقيقية إلى ما بعد وفاة بيتهوفن في 1827.
موسيقى السبت: قطع البيانو لشوبرت

نشر في: 23 ديسمبر, 2017: 12:01 ص