ما أن تقرأ رواية (متحف الارواح/ أسرار عائلة كويتية) للكاتب الكويتي عبد الوهاب السيد الرفاعي والصادرة عن دار نوفا بلاس للنشر والتوزيع حتى تدخل في أزمة صراع غامض مع الحدث الرئيس الذي يمثل عقدة العمل الروائي حيث تناول المؤلف مسألة فضح أسرار بيت كويتي قديم، عن طريق توظيف شخصية الراوي (صغيرة) الشابة الكويتية العائدة من الولايات المتحدة الاميركية بعد حياة دراسية متعبة...
لتجد نفسها في عالم مغاير من دون مكان يأويها خصوصاً مع انشغال كل من إخوتها في عوالمهم الخاصة مما يضطرها الى السكن في بيت جدها لوالدها المصاب بالزهايمر وهو البطل الرئيس للرواية... بيت قديم ليس فيه إلا خادمة وممرض لرجل لا حياة فيه إلا أنفاسه، رجل بماضٍ قاتم السواد لدرجة أن ابنه كان قد تبرأ منه وأسس حياته الخاصة ، ذلك إنه اتهم بممارسة السحر (النكرومانسي) وهو أحد أبشع انواع السحر على الاطلاق، اذ يقوم على استخلاص أسرار الموتى من خلال استحضار أرواحهم او أكل أجزاء من اجسادهم... خصوصاً وان صاحب البيت كان يعمل دفاناً للموتى.. ومن الساعات الاولى في السكن الجديد تكتشف (صغيرة) حفيدة الساحر، غرفة خفية تحوي على خمسة تماثيل من الشمع، يعتقد بأنها تماثيل لموتى ازهقت ارواحهم في المكان ذاته..
ومما يزيد الأمر سوءاً أن التماثيل تتحرك من اماكنها وتتجول في أرجاء البيت على نحو يثير الرعب... واعتمد المؤلف على رسم مشاهد داخل النص بحيث حوّلت البيت الى متحف مخيف... ويستمر الحدث الروائي في التعقيد والتأزم صفحة تلو أخرى مما يضيف جمالية رائعة تدعو لاستمرارية القراءة وهو أمر يحسب للمؤلف خصوصاً وإنه اعتمد على لغة سلسة خالية من التعقيد كما اعتمد على تثبيت الهوامش لتوضيح أكبر للقراء.. ومن خلال اللغة التي كتب فيها المؤلف روايته ندرك حجم مسؤولية كتابة رواية من هذا النوع المغاير، واعتمد المؤلف قبل كتابة هذا النص على قراءة العديد من المصادر والابحاث النفسية ليكتب لنا نصاً بهذه الرشاقة والحبكة.. وبعد قراءة ثلاثة أرباع الرواية وقبل أن يصل القارئ الى نقطة التساؤل عن ماهية الرواية وعن مدى تأثرها بافلام الرعب التجارية وعن خمسة أشباح تتجول في بيت شبه مهجور من دون تطور لسلسلة الحدث..عمل المؤلف على تغيير وقلب حدث الرواية على نحو جذري بطريقة ذكية تكسر الرتيب والمكرر من خلال شخصية (صغيرة) التي بقيت تبحث طوال الرواية عن حل اللغز المتعلق بتحرك التماثيل وعن أشياء تبرر عمل جدها الساحر القاتل.. إلا إنها تجد دفتر مذكرات كان قد سطر فيه جدها بعض الصفحات من باب الخلاص من الملل وليس من باب تسجيل الذكريات.. وهنا ينقلب الحديث مما يشرك القارئ في حل العقدة الروائية وعلى نحو بعيد عن التقليدية حيث يتبين إن الجد ليس إلا مريضاً نفسياً مصاباً بمرض نادر يدعى (هايبرثيميسيا) أو (التذكر المفرط) وهذا المرض يتسبب بذاكرة حديدية للمصاب حيث يتذكر المصاب كل التفاصيل المملة لأيام حياته.. وهو ما يجعله يعيش لحظات حزن قاتل...
وبسبب مرضه هذا استطاع ان يكون أحد اكبر مبدعي ومكتشفي عصره على الرغم من نظرة المجتمع السلبية تجاهه إلا إنه تمكن بفضل ذاكرته الفوتوغرافية القادرة على تصوير الماضي واستحضاره للحاضر، تمكن من اكتشاف جاهز تسجيل الذكريات الشخصية وتحويل بعض المشاهد الى صورة ثلاثية الابعاد بتقنية (الهولجرام) وربط هذه المنظومة في معظم ارجاء البيت مما أتاح له مشاهدة تماثليه تتحرك وقتما أراد وتؤدي مشاهد متعددة وكأنها نسخة من الواقع..
من هنا يصاب القارئ مثلما تصاب شخصية (صغيرة) بأزمة كبيرة تجاه ما قرأناه معاً في دفتر المذكرات الذي حول المجرم والساحر والمشعوذ الى مريض نفسي وعالم مكتشف كبير..
اهتم المؤلف بكتابة الحدث الروائي بطريقة تدعو القارئ للترقب والتأمل في مستقبل الصفحات القادمة للرواية، حيث رسم بقدرة ساحرة الجمال مجموعة استفهامات ورموز ضبابية مجهولة مما يدعو القارئ للتفكير أكثر في رسم المشاهد القادمة... إلا أن الكاتب كسر المتوقع والانسيابي في المشاهد الاخيرة وأبقى القارئ في حيرة... وهي نقطة أخرى تحسب للمؤلف واعتقد بوصفي قارئاً ومتابعاً للاصدارات الروائية العربية الحديثة بأن رواية (متحف الارواح) رواية مهمة تشكل إضافة الى المكتبة العربية..