TOP

جريدة المدى > سينما > الإنتاج السينمائي الجزائري المشترك بين أمس مشرق وحاضر باهت

الإنتاج السينمائي الجزائري المشترك بين أمس مشرق وحاضر باهت

نشر في: 21 ديسمبر, 2017: 12:01 ص

العديد من التساؤلات باتت تُطرح حول الجدوى الفنية التي تجنيها السينما الجزائرية من الإنتاج المشترك للأفلام، خصوصا وان وزارة الثقافة الجزائرية أعلنت صراحة عن تبنيها هذه الرؤيا كخيار ستراتيجي، والدليل ما أُنتج حاليا وعُرض، وما ينتظر العرض، وما سينتج مستقبلا، وفي ظل هذه المُعطيات وجب أن نطرح جملة من الأسئلة المحورية، عن مدى جدوى هذا الخيار، وانعكاسه على القيمة الفنية للقطاع السينمائي الجزائري، وإثراء تجربة الصنّاع المحليين، عن طريق الاحتكاك المباشر بينهم وبين نظرائهم الأجانب، لكسب التجربة والخبرة.

 

ناهيك عن القيمة الحضارية التي يمكن أن يعكسها ما يتم إنتاجه، سواء لخدمة قضية أو توجه جزائري، أو حتى إنسانية، وفي ظل هذه القيم المُتعددة، تأتي التساؤلات التالية، التي يفرضها الواقع السينمائي الجزائري في ظل هذه الشراكة، ما هي القيمة النوعية التي حققتها الأفلام المنتجة بالشراكة، هل تم عكس صورة الجزائر من خلالها؟، من هو الممثل أو المخرج، أو الصانع المحلي الذي نضجت فكرته من هذه التجارب وانطلق في حرفته يشق الآفاق؟، ما هي عناوين الأفلام التي دعمتها الجزائر ماديا، ونجحت إعلاميا أو جماهريا، أو فنيا، سواء في شباك التذاكر، مشاركاتها في المهرجانات الدولية، أو حصيلة الجوائز والتكريمات، الإجابة على كل هذه التساؤلات طبعا لن تكون قطعية، لكنها للأسف مخيبة للآمال، وفي الكثير من الأحيان صادمة جدا، وهذا الأمر ينطبق على السينما الحديثة طبعا، في ظل النتائج الهزيلة والمخيبة التي تجنيها، ويعود هذا إلى غياب الرؤيا الفنية الثاقبة، التي يمكن لها أن تحدد وتختار السيناريوهات الجادة، لتعطي دفعا للسينما الجزائرية، وتقدمها عالميا، وهذا على عكس تجارب سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، التي كانت ثرية ومفيدة جدا في مجال الإنتاج المشترك ومشرفة حتى، وهذا ما عكسته الأفلام التي أنتجت في هذا الإطار، وتحولت إلى تحف سينمائية عالمية، على غرار فيلم "معركة الجزائر" الذي أخرجه الإيطالي جوليو بنتكرفو وتحصل من خلاله على الدب الذهبي من مهرجان "فنيسيا" العريق، وقد تم تصنيفه من بين أحسن 50 فيلما عالميا، و"زاد" لكوستا كافراس الذي جلب للجزائر الأوسكار، لتبقى الجزائر البلد العربي الوحيد الذي تحصل على هذه الجائزة، كما كانت هناك شراكة مع المخرج الكبير "اتوري سكولا" من خلال فيلم "الرقصة"، الذي حظي باستقبال عالمي حار، ونال عديد الجوائز والتكريمات، أهمها جائزة "الدب الذهبي" لأحسن مخرج في مهرجان برلين السينمائي، ناهيك عن ترشيحه لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي باسم الجزائر طبعا، كما كان هناك تعاون آخر مع المخرج الايطالي "سيرجيو سبينا" في فيلم "الحمار الذهبي"، و"بجماليون للصليبيين" الذي أخرجه "ماريو مونيتشيلي"، أما من الجانب الفرنسي فهناك شراكات تمت بحذر وقتها، من بينها الفيلم الشهير "إليز أو الحياة الحقيقية" الذي أخرجه "مشيل دراش"، وفيلم "أجمل الاعترافات" "لإدوارد مولينارو"، و"إصبع في الترتوس"، أما على المستوى العربي فمن بين عديد التجارب، جاء أهمها مع أفلام المخرج المصري الكبير يوسف شاهين، في أفلام "العصفور"، "عودة الابن الضال"، "اسكندريه ليه"، وباتت تعد من عيون السينما العربية، بالإضافة إلى فيلم "أغنية الوداع" الذي لعب فيه دور البطولة المطرب عبد الحليم حافظ، ناهيك عن العديد من التجارب الأخرى التي أدخلت الجزائر إلى العالمية، وقدمت صورة مشرفة ومهمة عنا.
من هنا يمكن أن نخرج بنتيجة، وهي أن المشرفين على مشاريع الإنتاج المشترك الحالي، يفتقدون إلى الرؤيا الواضحة في دعم هذه المشاريع، لهذا جاءت بدون أي قيمة فنية، ولم تقدم للسينما الجزائرية ولا شيئاً، فقط تم تفريغ خزانة القطاع السينمائي من المال العام وتوجيهه للاجدوى، وبالتالي المساهمة في موت السينما الجزائرية من جديد،
فوائد بأثر عكسي
يمكن وضع "الإنتاج السينمائي الجزائري المشترك" ضمن مرحلتين مهمتين، واحدة تعكسها الثلاثين سنة الأولى من بعد الاستقلال، إذ كانت المؤسسات الرسمية في هذه المرحلة تمتلك النظرة الاستشرافية الفنية، وبالتالي أنتجت أفلاما بمقاييس عالمية، لأنها اعتمدت على مبدأ المهنية من قبل الأطراف الفاعلة، والرقابة والمساءلة من قبل الجهات المشرفة – أي مراقبة ومساءلة كل من وافق او ساهم في انتاج مشروع سينمائي ولم يحقق اي مردود فني أو ثقافي للجزائر-، وهذا ما جلب للجزائر أهم الجوائز العالمية، لكن بالمرحلة الثانية التي يمكن حصرها من بداية الألفية الثانية الى اليوم، لم يتم تحقيق أي مردود فني، في ظل غياب المهنية والاحترافية أصبحت أموال الجزائر توزع هنا وهنا عن أفلام لا تقدم أي قيمة فنية أو حضارية للجزائر، والدليل خذ مثلا فيلم "بن باديس" للمخرج السوري باسل الخطيب، ما القيمة الفنية التي قدمها للجزائر، لماذا لم يقبل في أي مهرجان سينمائي، رغم أن هناك العشرات من لجان المشاهدة، وهذا ما يمكن أن نقوله عن فيلم "أوغستين ابن دموعها" للمخرج المصري سمير سيف، إذ لم يقدم الفيلم أي قيمة، لا فنية ولا حتى تاريخية، وهذا لغياب المهنية من قبل الجهات التي اقترحت أو وافقت على هذا العمل، يكفي فقط مشاهدة فيلم المخرج الكندي "كريستيان دوغواي" والتعمق في صور الفيلم وإطاراته، وقراءة اعترافات القديس اوغستين، ناهيك عن العديد من الأبحاث الأخرى، وعقد مقارنة بينهم، لتعرف بأن هناك مغالطات كبرى، حيث تحولت تاغاست وهيبون إلى هامش، وقرطاج إلى متن، ناهيك عن المغالطات التاريخية المتنوعة، يعني نحرف تاريخنا بمالنا الخاص، ومن هنا يجب أن نقول بأننا لم نشترك إلا في الفشل، ومن جهة أخرى هناك من يشكك في مشاريع الانتاج المشترك مع فرنسا، وعليه وجب القول بأن الأخيرة ليست ملاكا حتى تقوم برمي أموالها من أجل السينما الجزائرية، هم أذكياء يعرفون القيمة الحقيقية للسينما ودورها الاستراتيجي في زرع الأفكار والأهداف، لهذا يقومون بدعم الأفلام، من اجل تحقيق غاية ما، وليس بالضرورة أن تكون هذه الغاية ظاهرة لنا، إذ في الكثير من الأحيان لا يمكن اكتشافها بسهولة، ومن حقهم هذا، في ظل نظرتهم الإستشرافية لحماية مصالحهم، ومن حق المخرجين الجزائريين هم أيضا قبول هذا التمويل في ظل شح الموارد وتخصيصها لجهة على حساب أخرى، العيب الوحيد هو في النظام الثقافي الجزائري الذي لا يعي خطورة السينما وقوتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram