اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يوم للصفح والمحبة والسلام

يوم للصفح والمحبة والسلام

نشر في: 19 ديسمبر, 2017: 09:01 م

بين الثقافة كفن كتابي والثقافة كمفهوم مساحة تتسع، هي مثل ما بين السياسة كفعل يمارسه ساستنا العراقيون والسياسة كفهم عام عند العباهلة المفكرين، وتبدو المسافة واسعة بين هذه وتلك، حيث أننا نكتب في الثقافة مرة ونحار في الخلاصات ونكتب في السياسة مرة أخرى ونقع في المحاذير، مع يقيننا بان المفاهيم شيء والعمل بها شيء آخر، ومع يقيننا بأننا نحيا في بلاد كل ما فيها خرب وضيع، بعيد عن المنطق، مستعص على التناول، فهذه بلاد يتآكل جرف وعي المرء فيها ساعة إثر اخرى، وتنهار منظومة القيم في روحه أنّى ذهب بنظره، أنّى حطت به راحلته.
ولأن البلاد لا تطاق، ولأن بعض عبادها ما زالوا خارج منطق الانسانية، ولأن الروح تربت على منظومتها الحق في الحب والصفح والتأمل والسكن قرب مفردة الجمال وما تعني، قرب كل ما من شأنه الوئام والسلام والمحبة، أجدني حصيفاَ وصارما أيضا في ما كتبت وأكتب وأتخذت من آراء، ومع أن كؤوس النبيذ أو البيرة الثلاثة أو كأسي العرق أحيانا، التي أعبّها ساعة أجدني منحازا الى روحي تفعل فعلتها في الروح والقلب واليد والوجه، إلا أنني ما أخطأت بحقها يوما، ولم أذهب الى ما يذهب اليه البعض منها، فانا رجل أحبني كبيراً، متزناً كثيراً. عندي من الاولاد أكثر من نصف دزينة ومن الاحفاد والاسباط أكثر من يوسف واخوته، لذا أدرك جداً حقيقة ما أنا فيه وأمامه.
أغلق باب الغرفة التي فيها مكتبي ساعة أتناولها، وأحرص على أن أبدو متوازناً مع أسرتي الكبيرة، أختبر نفسي أمام اللابتوب، أقرأ الشعر بصوت عالٍ، حتى إذا اطماننت الى لساني ويدي خرجت عليهم، أقبّل هذا وأحنو على ذاك، أصغي لهذه واهب تلك ما تحتاجه، أجمعهم تحت جناح قلبي، وأسرّهم أسرار الضوء والنور والجمال، وهم يعرفونني باذخاً، معطاءً، ومقولة"خيركم خيركم لعياله"لا أحيد عنها. لا أكتب ما يسيء لأحد، وانتقي من المفردات ما أحب، وأعي تماماً ماذا يعني أن تكون شاعراً، كاتباً. لذا أقول: أنا رجل تقربني الكؤوس الثلاثة من قول ما أنا قاصده، وأكتفي منها بما أريد. وهي تقودني الى ما أسعى لتدوينه.
ولأنها كذلك فانا أنحني لجهد أولئك المغامرين، الذين يؤمّنون لنا حاجتنا من الجعة والفودكا والويسكي أولئك المهربون الأذكياء، الذين يعبرون البرية بين بغداد والبصرة، ويعرضون أنفسهم للمخاطر، ويدفعون للشرطة الاتاوات والهدايا من أجل ايصال الخمرة للمدينة، التي يقطنها العباهلة الكبار، من الذين يحرصون على إدامة معارفهم، ومن مريدي السكر ومحبي السهر، الساعين للأنس بكل ما أوتوا من صبر ويأس، الساعين للمعرفة كما يجب أن تكون، هم اناس لهم جهود محمودة، ولولاهم لبدت المدينة لا تطاق، أنقل لهم عرفان وشكران أصدقائي في البصرة، لمثلهم ترفع القبعات.
يخدعني بائع الفستق الذي يبيعه على الرصيف، في الفسحة المتاحة له بين الشارع العام والجسر الذي يؤدي الى المقهى بالعشار، هو يبيعني فستقاً بائراً، تقادم الزمان به، وتوغلت السوس بين لبّه وقشرته وما ذلك بضائري، وقد قال سيدي أبو بحر عثمان الجاحظ:"المعرفة نصفها غفلة ونصفها تغافل"لذا سأتغافل الليلة عن معايب الناس بمن فيهم الساسة القبحاء، لن أذكر احداً منهم ومن الباعة بسوء، هذا يوم للصفح والمحبة والسلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram