أوسولا لي جوين هي أديبة أميركية لها العديد من الإبداعات الأدبية في مجال الرواية ،ولدت في عام 1929 ،نشرت لها مجلة باريس ريفيو هذه المقالة التي تتحدث عن رفض بعض المثقفين الجوائز الأدبية التي منحت لهم وتتحدث عن جائزة أدبية تمنح للادباء الذين رفضوا الجوائز التي منحت لهم :
علمت لأول مرة على فوز جان بول سارتر بجائزة نوبل من خلال عمود نشر في الصفحة الأخيرة الممتعة للملحق الادبي لصحيفة التايمز التي تصدر في لندن، ، وقد ذاعت بسرعة شهرة ذلك الكاتب الذي رفض جائزة نوبل في عام 1964،. وكما كتبت إحدى المجلات الادبية في عام 2012 اصبحت "القضية كبيرة جداً الى حد وضع جائزة باسم جان بول سارتر لرفضه الجائزة مما جعل الكتاب في جميع أنحاء أوروبا وأميركا يرفضون الجوائز على أمل أن يترشحوا لجائزة سارتر". وأضافت بفخر متواضع، "إن جائزة سارتر نفسها لن ترفض أبدا".
قائمة المرشحين حديثاً لجائزة سارتر هو الشاعر الاميركي لورانس فيرلينغهيتي، الذي رفض جائزة (PEN) في الشعر التي تبلغ قيمتها خمسة وخمسين ألف يورو والتي قدمها الفرع الهنغاري لمؤسسة القلم وتمول هذه الجائزة جزئيا من الحكومة المجرية القمعية. واقترح فيرلينغهيتي بأدب استخدام أموال الجائزة لإنشاء صندوق ل "نشر أعمال المؤلفين الهنغاريين الذين تدعم كتاباتهم حرية التعبير الكاملة".
لم أكن أستطيع أن أفكر فيما لو كان مو يان (كاتب صيني فاز بجائزة نوبل للآدب عام 2012) قد استخدم بعض من مبلغ جائزة نوبل لإنشاء صندوق لنشر أعمال الكتاب الصينيين الذين تدعم كتاباتهم حرية التعبير الكاملة. ولكن هذا يبدو مستبعدا.
كان سبب سارتر للرفض متسقا مع رفضه وسام (جوقة الشرف) وغيره من الأوسمة . وقال حينها"لن يكون الشيء مختلفا إذا وقعت باسم جان بول سارتر أو إذا وقعت باسم جان بول سارتر الفائز بجائزة نوبل. يجب على الكاتب أن يرفض أن يتحول إلى مؤسسة ". كان، سارتر بطبيعة الحال، يقدر عالياً استقلاليته الشخصية. (كيف استطاع التوفيق بين تلك القيمة وتبنيه لأفكار الماوية الأمر ليس واضحا بالنسبة لي). لم يجعل المؤسسات تملكه، لكنه كان يشارك في الاحتجاجات وتم القبض عليه بتهمة العصيان المدني في تظاهرات أيار 1968.عفا عنه الرئيس ديغول بسرعة ، مع الملاحظة الثمينة الرائعة التي قالها "لا أحد يسجن فولتير، هل يمكن ان نضع فرنسا في السجن؟" ".كنت أتمنى أن تسمى جائزة سارتر لرفض الجوائز بجائزة بوريس باسترناك، وهو واحد من أبطالي الحقيقيين. لكن الأمر قد لا يكون ملائما، لأن باسترناك لم يختر تماماً أن يرفض جائزة نوبل عام 1958. فلو كان قد قبلها ، لكانت الحكومة السوفياتية قد اعتقلته على وجه السرعة، وأرسلته إلى الصمت الأبدي في معسكرات الاعتقال في سيبيريا.
رفضت إحدى الجوئز الادبية مرة واحدة. كانت أسبابي أقل إقناعا من سارتر، وإن لم تكن لا علاقة لها بها تماما. كان ذلك في أوج أيام الحرب الباردة، عندما تم منح روايتي يوميات الوردة جائزة جمعية كتاب الخيال العلمي في أميركا. وفي نفس الوقت تقريبا، كانت الجمعية قد حرمت الروائي البولندي ستانيسلاف ليم من عضويتها الفخرية. كانت هناك مجموعة كبيرة من الأعضاء الملتزمين بعقائد الحرب الباردة الذين شعروا بأن رجلاً عاش خلف الستار الحديدي وكان فظاً مع روايات الخيال العلمي الأميركية يجب أن لا يكون له شأن في هذه الجمعية. واستندوا إلى تقنية لحرمانه من عضويته وأصروا على تطبيقها. كان ليم صعبا،و متعجرفاً، وأحياناً لا يمكن تجاهله، ولكنه كان شجاعاً وكاتباً من الدرجة الأولى، وكان يدعو في كتاباته الى مزيد من استقلالية العقل كنت غاضبة جداً من الظلم والإهانة التي تعرّض لها . وقررت أن أسقط عضويتي من تلك المنظمة، وشعرت أنه سيكون من غير الملائم أن أقبل جائزة عن قصة حول التعصب السياسي من منظمة اثبتت للتو انها ذات مواقف متعصبة سياسياً، وسحبت ترشيحي من المسابقة قبل وقت قصير من الإعلان عن الفائزين. دعتني المنظمة إلى عدم سحب الترشيح، لأنني كنت الفائز . لم أتمكن من القيام بذلك. مع السخرية المثالية التي تنتظر أي شخص يتراجع عن موقف نبيل إتخذه على أسس أخلاقية عالية - ذهبت الجائزة إلى الوصيف: إسحاق أسيموف، الزعيم القديم لمحاربي الحرب الباردة.
وما يربط حادثة رفضي البسيطة مع حادثة سارتر الشهيرة والمهمة هو الشعور بأن قبول جائزة من مؤسسة يعني قبول مبادئ تلك ، ، المؤسسة. رفض سارتر كان في المبدأ العام، بينما رفضي كان في أطار احتجاج محدد. ولكنني أتعاطف مع قراره في عدم السماح لان يعرفه الناس بشيء آخر غير نفسه. وكان يرى أن علامة "النجاح" الكبيرة التي ستطبعها جائزة نوبل على جبهته، سوف تخفي وجهه. وان كونه سيصبح واحدا من حاملي جائزة "نوبل" سوف يقلل من أصالته وتفرده
وهذا، بطبيعة الحال، وعلى وجه التحديد ما تريده الآلية التجارية من الكاتب حيث تبحث عن صاحب أفضل مبيعات والحائز على أرفع الجوائز وسيكون ذلك بصمة مضمونة للنجاح وزيادة المبيعات فعندما يصدر كتاب وعلى غلافه عبارة الحائز على جائزة نوبل أو . المؤلف الأكثر مبيعا وهكذا- أو صاحب الكتاب الذي تربع . لثلاثين أسبوعا على قائمة صحيفة نيويورك تايمزللكتب الاكثر مبيعا ،كل ذلك سيزيد من أرباح الناشر ...
ليس هذا ما كان يريده الناس الذين قاموا بتأسيس الجوائز أن يحصل ولا كان هذا ما يقصدونه ، ولكن الأمر يتعلق بالطريقة التي يتم فيها استخدام تلك الجوائز . فهي وسيلة لتكريم الكاتب، جائزة لها قيمة حقيقية، ، ولكن استخدام الجوائز كحيلة تسويقية من قبل الرأسمالية المؤسسية، وأحيانا كوسيلة للتحايل السياسي من قبل الجهات المانحة، قد قوّض قيمتها. وكلما كانت الجائزة مرموقة وقيمة، كلما ازدادت حدة الخطر.
ومع ذلك، أنا سعيدة لأن جوزيه ساراماغو، الكاتب الماركسي الأكثر صرامة بكثير من سارتر، رأى أنه من المناسب عدم رفض جائزة نوبل. هو يعرف أن لا شيئا، ولا حتى النجاح، يمكن أن يعرضه للخطر، ولا يمكن لأي مؤسسة أن تغيره أو تحيد به عن مبادئه . فهو سيبقى ذات الشخص حتى النهاية. وعلى الرغم من العديد من الاختيارات الخاطئة و الغريبة للجنة جائزة نوبل ، فإنها ما زالت تحتفظ بقيمة كبيرة، على وجه التحديد لأن من خلالها تعرفنا على كتاب من أمثال باسترناك (نوبل 1958) أو شيمبورسكا (نوبل 1996) أو ساراماغو(نوبل 1998). فهم على الأقل يحملون بصيصاً من الأمل ينعكس من وجوههم.
ورغم كل ماسبق ، فانا أعتقد أن جائزة سارتر لرافضي الجوائز الادبية يجب أن يعترف بأنها جائزة قيمة وفي الوقت المناسب، والأكثر من ذلك،إنها آمنة جدا من أن تخضع للاستغلال. أتمنى أن يكون هناك شخص ما يمنحني تلك الجائزة حتى أتمكن من أن أتنافس مع سارتر.
عن: باريس ريفيو