TOP

جريدة المدى > عام > المؤسسات والجمهور والإعلام وراء العزوف عن المنجز الموسيقي

المؤسسات والجمهور والإعلام وراء العزوف عن المنجز الموسيقي

نشر في: 24 فبراير, 2018: 06:14 م

زينب المشاط

المجال الثقافي والفني الوحيد الذي لا يحتاج الى الكثير من التفسير، ولا يبحث المُتلقي خلاله عن المعاني أو المُعطيات، رُغم إنه من أقدم الفنون إلا انه وصوله الى روح المُتلقي هو من يتحكم بجماله....
فهو فن ذو نظام خاص، قواعد وقوانين كثيرة على من يُمارسه الالتزام بها لكن وبإسلوب معين يختلف الملتزمون بهذه القواعد في توظيفها بإضفاء جانب من إحساس المتلقي ليظهر العمل بشكل استثنائي ويكون قادراً على تحريك العقول والقلوب والوجدان ..

الموسيقى هذا الفن العميق الذي نتحدث عنه، إنه موجود في حيواتنا كُلها، حتى في صمتنا هنالك نوع من الموسيقى التي تُحرك كل شيء من حولنا، للرياح وأصوات الحيوانات، لخطى الإقدام في الشوارع الموحشة موسيقى، لا نُصغي اليها بمسامعنا فهي أعمق من الاصغاء بل أرواحنا هي التي تمتصها، تتماهى معها، حتى نجد إن أرواحنا تتحرك بخضوع من خلال الموسيقى...
أيعقل أحد أن هنالك من لا يسعى لسماع الموسيقى، أو يحضر إحدى الحفلات الموسيقية، أو يسعى إليها؟ من المؤسف إن جواب هذه الاسئلة ، نعم، نحن في العراق نشهد انحساراً غير مُسبوق لجمهور الموسيقى، وغياب واضح للحضور الجماهيري في الأماسي والحفلات الموسيقية حتى المُمنهجة، كما إننا نُعاني أيضاً من انقراض بعض الفرق الموسيقية كفرقة الانشاد العراقي ولأسباب عديدة قد يتحدث عنها المختصون بهذا المجال ....
هل أساء الموسيقيون في العراق تسويق أنفسهم؟ أم أن ذائقة الفرد باتت تتجه نحو رغبات أخرى مع صعوبة الحياة، بدأ الفرد يفقد روح متابعة الفن والجماليات المتصلة به؟
الموسيقار كريم وصفي يتحدث لـ " المدى " مُركزاً على خلل الذائقة في هذا الغياب الجماهيري عن الموسيقى ويقول " إن في الذائقة شيء من الخلل."
ويجد وصفي إننا نجهل التعامل مع الموسيقى كعلم ليؤكد قوله" لا يمكن أن نتغاضى عن وجود عمومية وتحديد في النظرة لأن التعامل مع الموسيقى في كينونتها كفن للطرب و الملهاة حصراً و ليس علماً أيضاً."
ولم ينس وصفي الإشارة الى بعض القصور من قبل الموسيقيين والذين أيضاً يقع على عاتقهم جزء من هذا الغياب ويقول" جزء من المسؤولية تقع على عاتق الموسيقيين أنفسهم سواء رسمياً او شخصياً كقطاع خاص."
يجد وصفي أن القضية شائكة جداً ذاكراً " إنها تتعلق بمشكلة الهوية، حيث اصبح البعض يبتعد عن الموسيقى الكلاسيكية كونها أوروبية مثلا رغم إنها عالمية و ليست أوروبية حصراً." مشيراً الى تجربته الشخصية "من خلال بحثي و عملي في مجال الموسيقى و تقديمها عملياً منذ ١٩٩٢، وجدت أن للموسيقى علاقة بالمساحات الآتية، علم الاجتماع، الطب النفسي، العلوم الصرفة، عمل الدماغ، الفلسفة، الهندسة المعمارية، الهندسة البشرية، السياسة، الاقتصاد، الدين، مفاهيم الأداء، التعبير الحسي، الجهاز العصبي، الجهاز العضلي، الكون، من كل هذه العلاقة التي ذكرتها نجد أن علاقة المجتمع تنحسر فقط ضمن الطرب الذي يحصل عليه الفرد من خلال الموسيقى متغاضياً عمّا ذكرنا من علالقات سابقة ." ذاكراً "يجب أن تتعدد أهداف و طرائق فهم الموسيقى في المجتمع و لا تحدد ضمن أغنية أو حزن و فرح، فجانب الخلق والإبداع أوسع، من ذلك."
للأعلام دور كبير في تسليط الضوء على الجلسات الموسيقية التي تُقام مؤخراً، وما لم يجد الفرد العراقي تسويقاً جيداً للمنجز الموسيقي فمن أين له أن يعرف بوجوده سواء أكان حفلاً أو جلسةً أو ظهور فنان جديد، الموسيقار علي خصّاف يتحدث لنا عن دور الفرد، والإعلام، والموسيقي ذاته في الترويج للحفلات الموسيقية ويقول " إن إعلامنا بات عاجزاً وبشكل واضح عن الترويج للمنجز الموسيقي أو الحفل فنحن بحاجة الى نشاط إعلامي أكبر ولكن من المؤسف إننا لا نجد جانباً ترويجياً جيداً."
فيما أشار خصّاف " إن الفرد العراقي أيضاً لم يعدّ كالسابق مستقر وصافي الذهن ليهتم بالحفلات الموسيقية أو أي جوانب فنية وثقافية أخرى، لأسباب عديدة أولها عدم الاستقرار الذهني والفكري، إضافة الى اهتمام الفرد العراقي بصعوبة العيش والواقع البائس الذي نعيشه واضيفي الى ذلك جانب الجهل الفكري."
لم يكُن المتلقي أو الإعلام الوحيدين المتسببين بغياب الحضور الجماهيري من الآماسي الموسيقية، فهنالك الكثير من الآماسي لاتقام بسبب " غياب المسارح " كما أشار خصاف ذلك أننا لا نملك في العراق سوى مسرح أو مسرحين لإقامة الحفل الموسيقي، وذكر خصاف أيضاً "لاننسى أن هنالك العديد من الفرق الموسيقية التي انقرضت ولم يتم تجديد أفرادها مثل فرقة الانشاد العراقي التي نجد أن كادرها تشظى بين المرضى والمتوفين وكبار السن غير القادرين على العطاء بعد الآن، وحين نُناشد أولي الأمر يجيبونا بعدم وجود درجات وظيفية لتعيين موسيقيين جدد من جيل الشباب وتدريبهم وعدم وجود مخصصات مالية لجانب ثانوي بالنسبة للدولة ألا وهو الفن والموسيقى."
للموسيقى أنواع وأشكال متعددة منها الأكاديمية والكلاسيكية والشعبية وأخرى صرعات غربية وضمن مجتمعاتنا العربية تجد لكل من هذه الأنواع جمهوراً خاصاً بها يتسع أو يقل حسب الظروف والأوضاع العامة للبلدان، يذكر الموسيقار وعازف العود سامي نسيم أن
" فِي بغداد نرى أن للفرقة السمفونية الوطنية العراقية جمهور يتابع مواسم عروضها باستمرار وبشكل ممتاز علماً أن لها شباك تذاكر وليس دعوات مجانية عامة وكذلك يحدث مع الأمسيات الموسيقية الشرقية للعود ومرافقة الآلات العربية الأخرى له ونشط هذا في الأعوام الأخيرة وهو حالة صحية الى حد ما." من هنا نجد أن سامي نسيم يختلف تماماً مع رأينا في إنحسار الجمهور الموسيقي
إلا أنه يعيد للاشارة الى أن "الحضور الجماهيري بشكل عام هو ليس بالمستوى المطلوب ولأسباب عديدة منها عدم وجود تقاليد ثابتة للعروض وأيضاً عدم وجود مسارح خاصة، وتقنيات عالية المستوى وكذلك غياب مشروع دار أوبرا عراقية بسبب الفساد الأداري والمالي لوزارة الثقافة لذا بقي الحال على ماهو عليه دون تقدم أو تحديث بالعمل الموسيقي ولاجدواه."
علّق نسيم السبب في غياب الحضور الجماهيري إلى "عدم وجود فرق رصينة مثل فرقة الإنشاد أو حتى مطربين يحيون حفلات عامة مهمة بل إقتصر عملهم على المطاعم والنوادي الليلة التي تستهلكهم وتستنفد طاقاتهم الفنية ."
ولم يتغاض نسيم عن ذكر جانب غياب الترويج والإعلام قائلاً " إن جانب الترويج والإعلام أيضاً يعاني من عدم قدرته على المواكبة والتجديد واقتصر على صفحات التواصل الإجتماعي ، إضافة لعدم وجود مواسم موسيقية ثابتة وطبعاً انحسرت المهرجانات الموسيقية نهائيا لأسباب عديدة منها التقشف وعدم قدرة الدولة على إقامة المهرجانات وظلت محاولات خجولة من القطاع الخاص في النوادي الإجتماعية الكبيرة لفئة محدودة من الأثرياء وكبار الموظفين . وهكذا شهدنا تدهوراً حقيقياً للموسيقى والغناء وعدم تواصل الجمهور مع مستجداتها."
الموسيقار مصطفى زاير يؤكد على حاجة العمل الفني الى الدعاية والإعلان بشكل مكثف حتى يجذب الجمهور الى الحضور وهذا للأسف غير موجود ذاكراً الاسباب التي تعود الى " طرق الاعلان التي أختلفت في هذا الوقت ."
إلا أن زاير يؤكد أن " لكل فنان جمهوره الذي يتابع أعماله ويسعى دوماً الى حضور حفلاتهِ ."
كما تحدث زاير عن الفرق الغنائية ، كفرقه الانشاد وذكر"إنها موجودة ولكن يجب أن يكون هناك تطوير واستقطاب للاصوات الشابة حتى يستمر عمل مثل هذه الفرق."
وتبقى المشكلة الاكبر هي عدم وجود مسارح مخصصة للموسيقى فلازلنا نعتمد على مسارح السينما والمسرح وكذالك انعدام التقنيات الصوتية يجب ان تفكر الدولة بتطوير هذا القطاع أسوة بالدول المجاورة لنا وكذلك إعادة هيكلة الفرق التي تقدم التراث والموروث والفنانين الذين يقدمون أعمالاً تناسب شكل العصر الحالي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البنك الدولي: 53 مليار دولار تكلفة إعمار غزة خلال 10 سنوات

ارتفاع أسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية

منتخب الشباب يتأهل إلى ربع نهائي كأس آسيا

إيران: أي استهداف للمنشآت النووية يعني اشتعال المنطقة بأكملها

3 مباريات جديدة في دوري نجوم العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram