المعروف أن أدارة أي قسم من أقسام الاختصاص في معاهد وكليات الفنون الجميلة تقرره مناهج دراسية بمفردات محددة يلتزم التدريسيون باتباعها اثناء تدريسهم للطلبة لاية مادة دراسية كما عليهم ان يلتزموا بمواد الكتب المنهجية المقررة والمؤلفة على وفق تلك المناهج، والمعروف أيضاً ان تلك المناهج وتلك الكتب تتعرض إلى التطوير والتحديث عبر المراحل الزمنية المتتالية وكل هذا قد حدث في معاهدنا وكلياتنا التي تضم أقساماً اختصاصية ومنها أقسام تخص الفنون المسرحية.
لاحظت أن البعض من تلك الأقسام في السنوات الأخيرة لم تعد تهتم بتطبيق مفردات المناهج الدراسية والزام التدريسي باتباعها وبالاستفادة من الكتب المنهجية المقرة والمستحدثة.
المعروف أيضاً أن مفردات المناهج الدراسية في أقسام الاختصاص تغطي المعلومات القياسية المعترف بها عالمياً. وأضرب مثلاً على ذلك مادة (كتابة المسرحية) التي تشمل مفرداتها المبادئ والاصول والتفاصيل المتفق عليها من قبل المنظرّين لهذه المادة الذين اعتمدوا على حرفيات كتابة النص المسرحي منذ نشوءها على يد الشعراء الأغريق والرومان القدماء وحتى يومنا الحاضر ونذكر من المبادئ ان يكون كاتب النص المسرحي عارفاً بعناصر الدراما وتطورها واساليب بنائها وان يكون ملماً بالشخصية وابعادها العضوية والاجتماعية والنفسية وان يكون مقتدراً على بناء الصراع الدرامي بين الشخصية والرئيسية وخصمها وكيفية تصعيده وصولاً إلى الذروة ونقطة التحوّل، وان يكون متسلحاً بالكفاية الأدبية وحسن صياغة الحوار وبلاغته. وبناءً على كل هذا كيف يمكن لطالب في المراحل الأولى من دراسته الجامعية ان يكتب نصاً مسرحياً رصيناً، أو كيف يمكن لمدرس ذي خبرة متواضعة في الفن المسرحي وصناعة الدراما ان يكتب نصاً مسرحياً جذاباً ومتكاملاً في حرفياته.
يبدو لي أن عند تناول المخرج الجديد لنص مسرحي عربي او نص اجنبي مترجم متكامل بصدد إخراجه يجد صعوبة بالغة في تجسيده على خشبة المسرح لكون مثل هذا النوع في تكامل حرفياته يقع خارج ادراك واستيعاب المخرج المبتدئ أو المخرج ناقص الأهلية، لذلك يجد من السهل عليهأن يكتب هو بنفسه نصاً مسرحياً يستطيع معالجته ، وهذا ما حدث لعدد من طلبة اختصاص الأخراج في المعاهد والكليات الفنية وبذلك يتجاوز هذا الطالب او ذاك مفردات المنهج الدراسي الذي يعتمد على ما هو متفق عليه من المعارف والحرفيات الفنية، وبذلك أيضاً يبقي الطالب جاهلاً او ناقص المعرفة في حقل اختصاصه.
وتسري ظاهرة اعتماد المخرج الجديد على نصوص مسرحية مقتبسة عن الموروث العالمي كنصوص شكسبير وقيامه إما باقتباس العناوين فقط أم بأختيار اجزاء معينة من تلك النصوص ليسهل عليه معالجتها، كما حدث عندما اقتطع أحد المخرجين مشاهد من عدد من نصوص شكسبير او كما فعل آخر عندما حوّر نص صاموئيل بيكيت (في انتظار غودو) أو آخر عندما حوّر هو أيضاً نص جان جينيه (رقابة عليا) مع الأدعاء بالتجديد او الابتكار. ويلجأ البعض من المخرجين العراقيين الجدد إلى اعتماد نصوص مسرحية يكتبها كتاب هواة أو مبتدئون بأدعاء أن النص الاجنبي المترجم لا يعبر عن أفكار تكشف عن الأحداث الهائلة التي مرت بنا وهو أدعاء مرفوض حيث هناك الكثير من النصوص العالمية المترجمة تحمل اسقاطات يمكن سريانها على حالنا.
وإلا لما تحولت مسرحية دورنمات الشهيرة (زيارة السيدة العجوز) إلى مسرحية (ماكومثلنا) التي قدمتها الفرقة الوطنية للتمثيل من أعداد (جمال الشاطئ) وأخراج (طلال هادي) في محاولة للتحويل الدراما إلى كوميديا بشكلٍ قسري.