TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الموت المعلن لفالح عبد الجبّار

الموت المعلن لفالح عبد الجبّار

نشر في: 26 فبراير, 2018: 08:51 م

هذا موت لا يليق بالتأكيد، بعمرِ فالح عبد الجبار ولا يناسبه، إذْ يدهمه وهو في ذروة شبابه البحثي وفي عنفوان نضوجه الفكري، وثمّة ما كان في الانتظار ليكتمل ويُنجز في مشروع معرفي/ أكاديمي متميّز.

لكنّه موت، بصورته وصيغته المنقولة على الهواء مباشرة، يليق بفالح عبد الجبار، إذ يعصف به وهو يقف شامخاً عند منصّة المعرفة والعلم، يسترجع تاريخ وطنه وشعبه وينطق بالحكمة أمام كاميرات التلفزيون .. إنه موت معلن ومباشر، كبير الشبه بموت المحاربين الأشدّاء في ساحات الوغى، فلِما يزيد على نصف قرن كان فالح، في نشاطه السياسي والمعرفي، مقاتلاً جريئاً من أجل الحرية والمدنية والتحضُّر والديمقراطية.

قبل يوم من "حادث الاستوديو" الذي انتهت به حياة صديق العمر فالح عبد الجبار، كان يُخبرني في اتصال هاتفي بأنه يعدّ العدّة للسفر بعد يومين إلى بودابست كيما يشارك في ندوة أو حلقة دراسية، ثم يعود إلى بيروت لينتقل بعدها إلينا هنا في بغداد .. كان، كعادته، شديد الحماسة لتتبّع اتجاهات المشهد السياسي العراقي وكتابة تقرير عنه عشيّة الانتخابات البرلمانية وغداة تفتُّت الكتل التي هيمنت على هذا المشهد وعلى العراق، لأربع عشرة سنة متّصلة، فكان أنْ تسبّبتْ بالكثير من المِحن والكوارث... سألني عن هذا وذاك من قادة الكتل وكيفية تأمين تنظيم اللقاءات بهم لزوم التقرير الذي كان سيُعدّه باللغتين العربية والإنجليزية، وتواعدنا.. لكنّه سيخلف الميعاد هذه المرّة على غير عادته.

منذ سنوات عانى فالح من تعب القلب، وفي السنة الأخيرة واجه أكثر من موقف كاد فيه أن يسقط مغشيّاً عليه .. لم يشأ فالح أن يرأف بقلبه المُنهك بجدّيته في البحث والتقصّي وبصرامته في التدقيق والتمحيص وبإخلاصه لقضيّة العراق... لم يرغب في أن يستمع إلينا ونحن نسأله، بحبّ وتوجّس، أن يخفّف الوطء بعض الشيء، من أجل قلبه ومن أجل مشروعه المعرفي ومن أجل محبّيه: فاطمة المحسن وابنته فيروز وولديه خالد وعلي ونحن، بيد أنه لم يُرد أن يتمهّل نزولاً عند أحكام العمر، فظلّ، حتى في أوقات وعكاته الصحية المتواترة، يعمل مثل بلدوزر لا ترتاح إلا قليلاً لتعاود عملها الشاقّ الدؤوب بحيوية متصاعدة ومتواصلة.

ترك لنا فالح عبد الجبار مكتبة عامرة بالمؤلفات والمترجمات الرصينة التي ستبقي عليه حيّاً، مراجع ومصادر موثوقة للباحثين وطلّاب المعرفة والمؤرخين.
ويترك لنا فالح سيرة إنسانية ووطنيّة غنيّة: كاتباً وصحفيّاً نشرت كتاباته الصحف والمجلات الرصينة في العراق ولبنان ومصر وبريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، فضلاً عن مؤلفاته في السياسة وعلم الاجتماع. ولم يتوانَ فالح أيضاً عن الالتحاق بحركة المقاومة الفلسطينية في أواخر ستينيات القرن الماضي وكذلك في الثمانينيات التي أمضى بعضها نصيراً شيوعيّاً في كردستان العراق.
ما أوجع موتك المبكِّر .. صديقي فالح عبد الجبار!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram