تبدو الأحداث الأمنية والسياسية التي تجري حالياً في المناطق المحررة شبيهة بما كان يحدث فيها قبل اجتياح داعش في حزيران 2014.
وتقرع هذه المعطيات جرس الإنذار من دخول البلاد في أزمة أمنية جديدة تتزامن مع قرب موعد الانتخابات، قد تتسبّب في رهن مصير السكان مرة اخرى بأيدي متطرفين، أو يعود داعش مجدداً.
ويُذكّر أسلوب الهجمات المسلحة شبه اليومية التي تعتمد على الصيد المنفرد لعناصر القوات الامنية والحشود العشائرية من قبل انتحاريين بملابس عسكرية، خاصة في مناطق كركوك وشرق تكريت وديالى،، بالطريقة القديمة التي استخدمها التنظيم المتطرف قبل ظهوره بشكل علني في الموصل في حزيران قبل نحو أربع سنوات.
ويحذّر مسؤولون من إيهام الشارع بأنّ "داعش" قد انتهى فعلياً، مؤكدين أن التنظيم الإرهابي قادر على تنفيذ هجمات نوعية حتى الآن، ولديه حرية في اختيار الزمان والمكان لشنّ الهجمات المسلّحة خاصة في كركوك.
أين اختفت فلول داعش؟
بعد فترة قصيرة من إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي في كانون الأول الماضي تحرير كامل الاراضي العراقية من داعش، بدأ الجميع يسأل أين ذهبت فلول التنظيم والأذرع الكثيرة التي كانت تمده بالعون في تلك المدن وساعدته في تعزيز قبضته على نحو ثلث مساحة البلاد تقريبا؟
وظهر زعيم منظمة بدر هادي العامري الذي يستعدّ لخوض الانتخابات بتحالف كبير يضم بعض قوى الحشد الشعبي، غاضباً أول من أمس، وهو يلوم ما وصفه بـ"إعلام السلطة" على إعلان نهاية داعش مبكراً.
وقال العامري في حفل تأبين 27 مقاتلاً من الحشد قضوا في كمين نصبه مسلحون قرب الحويجة الاسبوع الماضي، إن "داعش ما زال يشكل خطراً ويمكن أن يعود".
ويبدو كلام العامري كأنه ردّ على تحميل رئيس الحكومة وقيادات الحشد المنشغلة بالانتخابات، مسؤولية ما حدث في الحويجة.
وزاد العامري قائلا إن "استخبارات الحشد أقوى من استخبارات الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب وكل التشكيلات العسكرية الأخرى في العراق".
وهذه لم تكن المرة الاولى التي يصف فيها العامري تشكيلات الحشد بالمتفوقة مقارنة بإمكانات القوات العسكرية الاخرى، فسبق له أن قال في آب 2016، إن "قوات بدر أصبحت أقوى من الجيش العراقي والشرطة العراقية".
وكانت تقارير أمنية في كركوك قد كشفت عن أنّ سبب مقتل 27 عنصراً من الحشد في السعدونية الواقعة جنوب غرب كركوك، يرجع الى عدم التنسيق مع القيادة العسكرية المشرفة على تلك المنطقة.
بدوره، قال عبد العزيز حسن الباجلاني، عضو اللجنة الامنية في البرلمان، لـ(المدى) أمس إن "ظروف ما قبل داعش وما بعده لم تتغير كثيرا (..) ما زال التنظيم يمثل خطراً والخروق ضد السكان مستمرة".
ويعتقد الباجلاني ان "وجود قوات من الحشد والعشائر مرتبطة بتيارات عقائدية خارجة على أطر التنظيم العسكري، لن تحقق الاستقرار في المناطق المحررة من داعش". كما يذكر النائب أن داعش عاود استخدام أساليبه القديمة وبدأ يشن عمليات فردية ونوعية في المناطق الهشة.
ويؤكد عضو لجنة الامن البرلمانية، أنّ التنظيم "بدأ بجمع عناصره في مناطق تمتد من الحدود العراقية - الإيرانية الى كركوك"، مشيراً إلى أن الهجمات اليومية في تلك المناطق تعزّز كلامه.
ويحذر الباجلاني، وهو نائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، من "تصاعد الهجمات قبل الانتخابات وبعدها". ومعروف ان "داعش" ظهر قبل انتخابات نيسان 2014 في الفلوجة، وتمدّد على ثلث مساحة العراق بعد تلك الانتخابات بشهر واحد.
وجدد الهجوم الذي حدث أول من أمس على مقر لعصائب أهل الحق في كركوك الذي نفذه انتحاري يرتدي ملابس عسكرية، المخاوف من وجود هجمات مسلحة منظمة تستهدف القوات الامنية.
وقتل نحو 100 شخص في هجمات مسلحة في كركوك منذ إعلان تحرير قضاء الحويجة في تشرين الاول الماضي، نصفهم في القضاء.
غزوة كركوك
وكشف تقرير سرّي صادر عن شرطة كركوك، تحتفظ (المدى) بنسخة منه، عن استعداد داعش لتنفيذ "غزوة كركوك" بواسطة عدد من الانتحاريين والسيارات المفخخة.
وذكر التقرير الذي صدر في شباط الجاري، أن الهجوم سينفذه نحو 120 "انغماسياً" سينتشرون في أحياء (شركة طارق، وحي حزيران، حي النداء، وحي العمل الشعبي) ثم يهجمون على مركز كركوك بسيارات مفخخة قادمة من الحويجة ويستهدفون المنشآت الحيوية.
وأضاف التقرير الذي لم يتسنّ لـ(المدى) التأكد من صحته من مصادر أمنية، ان "الهجوم سيكون بالتزامن مع استهداف السيطرات الامنية الجنوبية والغربية للمدينة بواسطة تلك العجلات". ويسعى الإرهابيون "للسيطرة على دوائر أمنية وحكومية في مركز كركوك".
إلى ذلك، يؤكد مصدر أمني مطّلع في المدينة في حديث مع (المدى) أمس، أن "داعش هو من يحدد زمان ومكان الهجوم، وبإمكانه تتنفيذ 30 هجوماً في يوم واحد إذا أراد ذلك".
وتفيد المعلومات الامنية، باحتمال وجود نحو 1000 مسلح هربوا من الحويجة أثناء عمليات التحرير قبل 5 أشهر، فيما يتوقع أنهم اختفوا بين المدنيين وآخرون اختبأوا في المستنقعات.
ويعزو المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه، تراجع الامن في كركوك إلى "بدء القوات التي مسكت ملف الامن في المدينة من الصفر وعدم الاهتمام بالمعلومات المتراكمة التي جمعت في الوقت السابق عن وضع كركوك".
ويمسك جهاز مكافحة الإرهاب الملف الامني في المحافظة، بالاضافة الى الشرطة الاتحادية بعد انسحاب الجيش الشهر الماضي، وهناك دور ضعيف للشرطة المحلية، فيما يقول المصدر ان "الآسايش (وهو جهاز استخبارات كردي) مُنِع من العمل وذهب عناصره الى منازلهم".
وكانت "البيشمركة" تسيطر لسنوات على الملف الامني في كركوك، ولديها خبرة واسعة ومعلومات عن عدد وهوية المسلحين في مناطق جنوب غرب المدنية.
لكنّ عبد العزيز الباجلاني، يقول "لا يوجد تنسيق بين البيشمركة والحكومة الاتحادية في كركوك والمناطق الواقعة في محيطها، وهو ما زاد الوضع الامني سوءاً".
أوضاع الكرد
ومنذ دخول القوات الاتحادية الى كركوك وانسحاب "البيشمركة" منتصف تشرين الاول الماضي، حدثت قطيعة شبه تامة بين الطرفين.
ويعيش السكان الكرد في كركوك في قلق كبير على إثر التغييرات الاخيرة، حيث يقول الباجلاني ان "عدم وجود اتفاق سياسي في كركوك وفي كل المناطق التي كان فيها توتر أمني، يهدد بنشوء أزمة سياسية جديدة قد يستغها داعش أو أية جهات متطرفة أخرى".
وكان نحو 100 ألف مدني قد فرّ خلال الاحداث الاخيرة من كركوك باتجاه مدن إقليم كردستان، فيما عاد منهم القليل خلال الاسابيع الماضية.
من جهته، يؤكد أحمد العسكري، العضو الكردي في مجلس كركوك في اتصال مع (المدى)، أمس، أن "المواطنين الكرد في المدينة يواجهون مضايقات شخصية وعنصرية من بعض القوات الامنية".
واعتبر المسؤول الذي يعيش خارج كركوك منذ حدوث الازمة الاخيرة أن إبعاد قوات البيشمركة عن الملف الامني وسحبه من محافظة كركوك، "الخطأ الاكبر الذي اقترفته الحكومة الاتحادية".
ومنذ أشهر لم تستطع مكونات كركوك التوصل الى صيغة توافقية لإدارة المحافظة. ويكشف مسؤول في المحافظة طلب عدم ذكر اسمه في تصريح لـ(المدى) أن "7 أعضاء تركمان من أصل 9 في مجلس المحافظة يعرقلون أي مقترح لتولي شخصية كردية منصب المحافظ".
ويطالب 13 عضواً كردياً في المجلس بالحصول على منصب المحافظ، مقابل إعطاء رئاسة المجلس الى التركمان، ونائب المحافظ إلى العرب.
لكنّ المسؤول يقول عن العناصر التركمانية المعارضة في المجلس بأنها "تتلقى تعليمات من تركيا لتبقى الفوضى مستمرة في كركوك".