هدمت الرياضة العراقية جدارها العازل مع السياسة، وراقتْ لها مغازلة أفكارها وما تكتنزه من حلول لتسوية الأزمات دون أن ترهن مصيرها في مغامرة خاسرة تسلب حريتها وتعود بها أسيرة قرار دولي جديد يشلّ مفاصلها لعقود أخرى.
مخاض عسير شهدته العلاقات العراقية السعودية منذ عام تسعين من القرن الماضي بفعل اضطرابات المنطقة ونزف الثقة وحرب الاصطفافات الأقليمية والدولية والاستفزازات الإعلامية الموجّهة من الطرفين، كل ذلك إنحسر في غيمة عابرة يجرّها سرب حمام التقارب السياسي لتمطر الخير كله على البلدين وتنال الرياضة نصيباً وافراً منه يروي عطش التنافس الثنائي بودٍ وحب.
لهذا لم يستطع وزير الشباب والرياضة عبدالحسين عبطان الهروب من المنطقة السياسية، بل كان صريح القول بأن تأثيرها يطال جميع المجالات والثقل السياسي السعودي كبير، ووجودهم في العراق له دلالات مهمة ستفتح الشهية لمنتخبات الدول الأخرى لتساند ملفنا برفع الحظر الكلي.
أربعون عاماً لم يترك الحظر الدولي فرصة لجماهير الكرة العراقية أن يتنفّسوا الصعداء مثلما تزفر صدورهم اليوم الأربعاء آخر أيام شباط 2018 في ملعب البصرة الدولي هموم صبرهم على خوض الأسود تحدياتهم في البطولات على أراضي الأشقاء والغرباء.
أنها مسؤولية جماهيرية بالدرجة الأولى تلزم أبناء العراق المحافظة على منجز وضع ملف رفع الحظر على مشارف الإغلاق عبر رسائل التشجيع النظيف وتعضيد جهود رجال الأمن المكلفين بحفظ سلامتهم وضبط الإجراءات في ملعب (جذع النخلة) بالتنسيق مع اللجنة المنظمة، وهو أمر ليس بالسهل في ظل تواجد أكثر من ستين ألف مشجع يغصّ بهم الملعب مهللين بالزيارة الأولى للسعوديين من بوابة البصرة ومكرّمين تمثيلهم العربي في مونديال روسيا في سابقة تاريخية تحسب لتحضير وزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم مناسبتين برسم هدف واحد.
وفي الوقت الذي تدفع مباراة اليوم أكثر من مسؤول رياضي عربي وأجنبي على إزالة التوجّس والتوجه لملاعب العراق للقاء منتخباته وأنديته برغبة صادقة من أجل انجاح مساعي رفع الحظر، فأن الغموض مازال يكتنف موقف جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي لم يقرر بعد تلبية دعوة حضور المباراة من عدمها، بينما جال خلال الشهرين الماضيين مقرات اتحادات مختلفة في عموم القارات وآخرها أجتماعه في نواكشوط الاسبوع الفائت وإبرامه عقد شراكة الفيفا مع الاتحاد الموريتاني للعبة، فمتى يُقرِن قوله الداعم لكرتنا بفعل قريب؟!
ميدانياً، يغلب التفاؤل على تصريحات مدرب المنتخب الوطني باسم قاسم تحضيراً لمواجهة السعودية بعدما تمكن من تجهيز لاعبيه خلال أسبوع في وحدات تدريبية مكثفة، وأسهم انضمام ياسر قاسم المبكّر في زيادة ثقة المدرب بحصد نتيجة إيجابية أمام منتخب سفراء المونديال المدجّج بلاعبي الخبرة أمثال عمر هوساوي وتيسير الجاسم ومحمد السهلاوي، وأفلح مدربهم الأرجنتيني خوان بيتزي في تحقيق فوز معنوي على مولدوفيا قبل يومين في أول تجربة استعدادية لكأس العالم بثلاثة أهداف، وخطواته سائرة نحو اختبار عناصر بديلة جاهزة للطوارىء في كل الأحوال.
هنيئاً للبصرة كرنفالها الكروي احتفاءً بنجوم الأخضر السعودي وهم يقيموا على ضفاف شط العرب ويتسامروا بين أهلهم وينتخوا في الدفاع عن حقوق أبناء الرافدين بكسب قضيتهم مع الفيفا، وغداً لا عذر لشقيق يتخلّف عن أداء دوره الانساني في مناصرة حقنا البائن، فملعب كرة القدم صورة من صور الحياة إن يَئِستَ دون المحاولة ستبقى مهزوماً، وإن آمنت بإرادتك ستخرج منتصراً على رؤوس الأشهاد.
مصارحة حرة : دلالات كرنفال البصرة
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2018: 07:03 م