TOP

جريدة المدى > عام > صدر عن المدى: سيلفيا بلاث.. شعرية الفجيعة

صدر عن المدى: سيلفيا بلاث.. شعرية الفجيعة

نشر في: 28 فبراير, 2018: 07:43 م

ناجح المعموري 
المراهقة لحظة حساسة في حياة الانسان ، كان ولداً أو أنثى ، لها خصائص متميزة لأنها تلعب دوراً حساساً في ترسيم الملامح الرئيسة للشخصية ، لابد تذهب آراء العلوم الانسانية بأنها تحدد ماذا سيكون عليه المستقبل . وهذا ما نلاحظه مع سيلفيا بلاث التي برزت معتنية بحياتها وترسيم نظام خاص لها ،من خلال تدوينها لأوراق خاصة منذ عتبة المراهقة ، لكنها التحرير الخاص لمذكراتها أغفل قصدياً تلك المرحلة ، وابتدأ منذ صيف 1950 قبل أن تذهب الى الكلية ، وهذا يضيء بانها تركت تاريخ مراهقتها ( ولدت سيلفيا بلاث في 27تشرين أول 1923 في الساعة 2:10 بعد الظهر في بوسطن ) .

وحازت مذكراتها حضوراً واهتماماً منذ شهر تموز ولغايته أيضاً عام 1953، ثلاث سنوات كاملة . وبعض منها التقاطات متحكم بها من رسائل مرسلة لأصدقاء . وتميزت فترة دراستها بعناية خاصة من قبلها على الرغم من تسيدّ بعض الاشكالات الشخصية التي طرأت على شخصيتها ، واعني بها الاضطراب النفسي . المثير في مذكراتها ، ووضوح الصراحة والدقة والذهاب بشكل قوي نحو ما تريد التأكيد عليه وعلى سبيل المثال : سجلت في يومياتها الأولى تموز 1950 . ربما لن أكون سعيدة أبداً ، لكني الليلة راضية . لا شيء سوى منزل فارغ . ارهاق غامض من يوم مفضي في زرع سيقان براعم الفراولة في الشمس ، قدح من لبن حلو بارد وصحن مسطح من ثمرات العنبية المغمورة بالقشطة . أدرك الان كيف يقيّض للناس العيش بدون كتب ، دون مدرسة . حين يكون المرء تعباً في نهاية اليوم عليه بالنوم ، وفي الفجر التالي سيكون هناك المزيد من سيقان الفراولة . وهكذا يواصل العيش ، قريباً من الأرض في أوقات مثل هذه سأكون حمقاء أن طلبت المزيد / سيلفيا بلاث / ت و ت / عباس المفرجي / المدى /2017 /ص19.
ولأن المحررة " كارلين كوكيل " ذكية ، وهي الوصية المعتمدة والمشاركة على " الكتب النادرة " في سميث كوليج ، استعانت بنصين اختارهما لويس ماكنيس ، أحدهما لـ : بيتس والآخر لجيمس جويس وسأختار كل ما استعان به ييتس قضمنا الحياة مثل تفاحة لاذعة / أو لعبنا بها مثل سمكة ، وسعداء كنا / لمسنا بأصابعنا زرقة السماء / ماذا يبقى بعد كل هذا نرمي إليه ؟ / لا شفق الالهة بل فجر تام / لصفصاف وقرميد رمادي ، وفتيان الجرائد ينبئون بالحرب //
نحن نبدأ بالعيش حين نتخيل الحياة كمأساة فحسب . هذا المقطع الشعري ذكي ، ويعبر عن دقة المحررة " كارلين كوكيل "لأنها استطاعت اختصار ما يمكن التعامل معه بوصفه مركزياً في اضاءة جوانب من العناصر المكونة لشخصية سيلفيا بلاث . وبالامكان قراءة النص الشعري بشكل مركز والاشارة الى أن الحياة الهانئة والسعيدة بلحظات تعاش وتترك متاعب لها مكشوف عنها في المجاز المعروف بين الفردوس والتفاحة على الرغم من إنها لاذعة وهذا ما أشارت له اليومية الاولى في تموز عام 1950 وقد سجلناها قبلاً ، ويغادر النص رمزية التفاحة ويتجه استعاريا نحو السمكة ، الزلقة ، غير الثابتة ، لكن هذا التباين بين السهولة والمتاعب والمصاعب لم يؤثر على حياة طويلة ، أو قصيرة ، بل السعادة حاضرة . طموح وأحلام وتصورات شعرية للعلاقة مع حياة ابتدأت تواً ويوتوبيا فيها تعال وملامسة السماء ، لكن المحزن والحاضر دائماً ومعبراً عن القوة والطاقة من خلال دلالة ما تعنيه مفردة الفتيان ، هناك انذار بالحرب.
وجدت مشتركاً بين فروخ فروخزاد وسيلفيا بلاث وهو الحماس في مزاولة الحسيات والانغمار بها وايضا وجود اهتمامات ابداعية غير كتابة الشعر وما بينهما الرسم . والعنصر الأبرز بينها هو الصورة باعتبارها وسيطاً وانغمارها بالشعرية المميزة لهما , فروخ معنية بالسرد ، تكتب القصص السينمائية . وبلاث قاصة معروفة وروائية " الناقوس الزجاجي " روايتها المترجمة الى العربية ، وابرز ما يوحد بينهما النهاية المأساوية لحياتهما وبوقت مبكر جداً وعن عمر متقارب . وهذه التراجيديا تضعنا امام افتراض توقع النهاية بسبب النشاط والزخم العالي للانجازات واكدت بلاث على ذلك في احدى يومياتها :
" كنت عاكفة طوال اليوم على قصيدة تجريدية حول المرايا والهوية فوجدتها كريهة ، أحسست بالبرد ، باليأس من زخم قصائدي في الشهر الفائت " حوالي 10 قصائد " ..... بدأت أدرك إن الشعر كان عذراً وهروباً من كتابة النثر / ص366//
من العتبات الجوهرية في يومياتها ، المرحلة المعقدة والتي تردت فيها صحتها النفسية وابتدأت تأخذ علاجاً بالكهرباء وبرز لديها شعور كراهية للرجال في يومياتها عام 58 ،59، لأنها تبنت الدفاع التام عن حقوق المرأة في المجتمع ، بالاضافة الى عملها وعلاقتها معهم سبب في هذا الموقف " كرهت الرجال لأنهم لم يكونوا قربي ويحبوني مثل أب يحب ابنته : صنعت ثقوباً فيهم وأظهرت إنهم ليسوا في النوع الابوي . جذبتهم من خيمتهم وجعلتهم بالتالي يرون إنهم لا يملكون أي فرصة كرهت الرجال لأنهم لم يضطروا الى المعاناة كما فعلت المرأة يمكنهم ان يموتوا ...... كانوا يمرحون بينما تعاني المرأة آلام الولادة المبرحة . كانوا يقامرون بينما تقتر المرأة في البرد على الخبز . رجال رديئون شريرون ، أخذوا كل ما استطاعوا الحصول عليه / ن . م / ص394//
قالت الناقدة فاطمة محسن : ما أراد أن يقوله هيوز عن سيلفيا بلاث بعد كل سنوات الصمت ، هو إن الموت لم تكن له حاجة الى اختلاف الاسباب كي يسوق سيلفيا بلاث الى عالمه السري . فقد كانت تضع هذا الموت على مقربة منها , فهي باندفاعتها الشعرية التي تجاوزت عمرها ، في محبتها الملتبسة له ولأبيها ، كانت تقف على حافة الهاوية وتنتظر الذهاب الى ممالك الشعر المجنونة ، لا مملكة الحياة . لم يكن الحب في حياتها إلا ذريعة للموت : أنا الآن راهبة وما كنت بمثل هذا النقاء قط / رغبت عن الزهور ، ولكن رغبت في هذا وحده : أن أرقد ويداي مرفوعتان . هذا ما نقلته السيدة فاطمة محسن التي قدمت نصاً لزوجها الشاعر تيدهيوز " مكتف بما ينطوي عليه من الشفافية والجمال :
أي طقوس كانت تُتلا
في ذلك القداس الليلي ، ذلك الجمع السري
حيث كنت أنتِ الكاهنة ؟
هل كنت تلك القصائد حطاماً مما أنقذته ؟ كانت يقظة نهارك
امناً منهوباً حاولت ان تتشبثي به غير عارفة ما أرعبك
أو من أين يتبعك شعرك ؟
بساقيه اللزجتين بالدم ، في كل ليلة
كنت أنومك ، أهدهدك بالهدوء ، بالشجاعة ، بالفهم
بالسكينة
هل أعانك ذلك ؟ في كل ليلة
كنت تهبطين ثانية إلى سرداب المعبد السري
ذلك الكهف الخاص ، الأولي
تحت القبة العمومية
كنت طوال الليلة
تطلّين غير واعية
على الصراع حيث تستنشقين النبوءة
التي لا تنطلق إلا بما هو مختوم / فاطمة محسن / سيلفيا بلاث .... الشاعرة المثيرة للجدل / منارات / المدى / 15/ تشرين الثاني / 2017//
أخيراً لابد من التذكير بأن سيلفيا بلاث إحدى أوائل المساهمات بنشاط وقوة بتكوين الحركة النسوية في العالم خلال ستينيات القرن الماضي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البنك الدولي: 53 مليار دولار تكلفة إعمار غزة خلال 10 سنوات

ارتفاع أسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية

منتخب الشباب يتأهل إلى ربع نهائي كأس آسيا

إيران: أي استهداف للمنشآت النووية يعني اشتعال المنطقة بأكملها

3 مباريات جديدة في دوري نجوم العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram