مراجعة/ المدى
لن أتحدث وبكل تأكيد عن حكاية يعرفها الجميع، كيف حصلت وأين ومتى ولماذا؟ وبما انتهت! فما فائدة إعادة سرد ما رويّ عبر سنوات طويلة، حتى أن ما كُتب خُلّد بين أمهات الأدب العالمي كما قيل ....
نتحدث عن "مغامرات بينوكيو" حكاية الدمية الخشبية ذات الأنف الطويل لكاتبها كارلو كولّودي، أو نناديه باسمه الحقيقي كارلو لورينزي، وأكتب عن هذا الكتاب بعد أن صدر عن مؤسسة المدى للطباعة والنشر...
لماذا بينوكيو؟ أو لماذا قصة الأطفال؟ وهل الحياة الشاقّة المتعبة المُلّغمة بالحروب والتعاسة من شأنها أن تخلق منا ساخرين، كما خلقت منا أُناساً مُبدعين؟ "بالطبع هُنا أعني البعض ولا أعمم، وأقصد أؤلئك الذين يتأملون الحياة ويتعمقون في تفاصيلها."
سؤالٌ آخر يمكن طرحه من خلال اختيار كولودي لأدب الأطفال؟ لماذا أدب الاطفال ومغامرات الدمى؟ هل حاول كولودي أن يخلق حياةً أخرى للأطفال الذين عاشوا طفولة حزينة كالتي عاشها؟ أم حاول أن يخلق جيلاً عُززت به أخلاقيات وقيم صالحة استناداً للحروب التي مرّت ولأرائه السياسية والواقع الاجتماعي والإنساني التعيس الذي خلقته الحروب، فإرتأى إن النهضة بالواقع لا تكون سوى من خلال النهوض بالطفولة ذاتها.....
"كل هذا استنتاج شخصي من خلال قراءتي عن شخصية الكاتب، اضافة الى قراءة أدبياته التي أرجعتني وبكل تأكيد إلى ابنة السابعة او العاشرة من عمري."
يجب أن نعرّف أن صحيفة الـ "لامبوان" الهجائية كانت السبب وراء تغيير اسم كارلو لورينزي الى كارلو كولّودي، حيث كان هو صاحب تلك الصحيفة، واضطر لتغيير اسمه الى كولودي كأسم مستعار لأن صحيفته عارضت الاحتلال النمساوي بشدة....
حياة كولودي التي ابتدأت مع أبوين بسيطين حيث عمل أباه كطاهي وأمه خادمة في قصور النبلاء هي التي ساعدته في إكمال دراسته التي لم تخل من الفلسفة، وعمل في عدّة مجالات لم تكُن بعيدة عن الأدب، والثقافة والفلسفة، والسياسة التي لها علاقة بجانبين مهمين وهما الثقافة والمجتمع، بعدها التحق الكاتب باللجيش أثناء اندلاع حرب الاستقلال الإيطالية في عام 1848....
وقد تكون هذه الحياة هي السبب في اختيار ادب الاطفال للكاتب، فحين نُخالط السياسة ونشهد الحروب التي تجهد الواقع الاجتماعي والانساني وتقوده نحو الانهيار سيقودنا الطموح لخلق جيل جديد يُربى بمثل واخلاقيات من شأنها ان ترتقي بالواقع وقد يكون هدف كولودي هو الارتقاء بالاطفال من خلال أخذهم الى عالم ذي فنتازيا خاصة متعالية...
هذا النوع من الروايات ورغم أنه يُكتب للاطفال الا اننا نجده يُلامس الكبار ايضاً فحكاية "بينوكيو" اشتغلت كأفلام كارتون وكحكايات وألعاب ومغامرات فيما بعد وانشرت بشكل واسع في كل مكان عالمياً، لهذا عد كولودي عميداً لأدب الاطفال أصدر العديد من اعمال الاطفال.
سيجد قارئ الحكاية أنه بإمكان المؤلف أن يقود عقيلة القارئ بغض النظر عن عمره إلى انتظار المزيد "أي لهفة التشويق" فينقلنا كولودي من واقعنا إلى عالمه القصصي وهو حين يكتب يحاور القارئ ايضاً فما نجد سوى إننا بدأنا نتحدث مع الكتاب، ونتخيل قطعة الخشب الصغيرة تلك التي تقفز من بين السطور بشكل فُجائي.
الجانب الحواري في الحكاية سريع وهو مناسب تماماً للتعامل مع عقيلة الطفل، كذلك الاضافات الخيالية الموجودة في شخصيات الحكاية تُمكن عقلية الطفل من الانشغال مُقادة إلى عالم من الواقع الذي يتضمن الخير والشر ومحاكاته بشكل فنتازي من خلال أشياء لا يمكن أن تكون موجودة في الواقع.
مراجعات: الواقع يحفزّنا لخلق جيل جديد..في حكاية بينوكيو يحاول كولودي قيادة وعي الأطفال للصواب

نشر في: 3 مارس, 2018: 06:23 م