أين نحن من ثقافة المهرجانات؟! فمهرجانات عديدة تقدم سنوياً عن السينما، عددها لايتناسب مع حجم المنتج السينمائي العراقي، لاتراعي الحد الادنى من الضوابط التي تحكم المهرجانات العالمية .. ويتم التعامل معها من قبل صناع هذه المهرجانات باستخفاف ولا أبالية.. فالعملية بالنسبة لهم ليست أكثر من تمويل مادي يغطي التكاليف التي يتطلبها هذا المهرجان أو ذاك، وما أن تقام دورته الاولى حتى يتم نسيانه أو قل حين ينضب معين التمويل هذا ويكون مصير الدورات اللاحقة النسيان.
مهرجان (3 دقائق 3 ايام) استثنى هذه السياقات المعرقلة التي اعتادت عليها أغلب مهرجاناتنا، فحقق حضوراً لافتاً بين الجمهور وعشاق السينما بشكل خاص، ابتداء من الخطوات الاولى لتنظيمه والتي راعت كل التفاصيل، وليس انتهاء بعروضه التي تضمنت أفلاماً قصيرة ذات قيمة فنية جيدة.
فعنوان المهرجان يشي بحجم التحدي الذي اختاره القائمون عليه، والذي يشترط أموراً فنية وطريقة عمل معينة.. فقد إختار المهرجان الأفلام القصيرة رغم أن أكثر مهرجاناتنا تعتمد هذه الأفلام بسبب طبيعة انتاج الافلام عندنا، لكن المهرجان اشترط أن تكون ب(ثلاث دقائق) وهي بذلك فرضت على صناع هذه الأفلام أن تأخذ أفلامهم ميزة الابتكار بل والتجريبية، فضلاً عن استيعاب أكبر عدد من الأفلام التي ستشارك في المهرجان.. مع اعتماد آلية مبتكرة في التنظيم وهو ما انفرد بها هذا المهرجان، حيث 3 أيام للعروض واختيار شهر مارس/آذار كموعد لإقامة المهرجان. وهي امور على شكليتها إلا أنها تأخذ صفة التفرد والجدة.
نجاح هذا المهرجان الذي اقامته مؤسسة فنية يقف رجل اكاديمي واستاذ للسينما في كلية الفنون على رأسها، تجلى بالاقبال المتزايد للجمهور واهتمام وسائل الإعلام به، ومن دون دعم حكومي بل بجهود شباب محب للسينما، وهذا قمة التحدي فيما صنعه هؤلاء الشباب.
هل أتطرف في مديحي لأدعو صناع المهرجانات السينمائية المحلية للاقتداء بما فعله شباب هذا المهرجان، ولكن للأسف فإن أغلب صنّاع هذه المهرجانات السينمائية لايعون أهمية المهرجان وجدواه مثلما لايضعون الخطط العلمية والعملية لديمومتها ، فاستحداث المهرجانات هو ولادة فكرة جديدة من شأنها إغناء الحراك السينمائي.. خاصة وإن السينما العراقية تعاني ومازالت من عدم الاهتمام والتهميش من قبل المؤسسة الثقافية. فالمهرجانات التي أصبحت تقام في كل محافظة في العراق، لم تضف الى المشهد السينمائي ما يمكن أن يفعله وينهض به.. بسبب ضعف المشاركة وأهمية الأسماء التي تحضر او تساهم في فعالياتها. ولعل السبب في ذلك أننا لم نتوفر على تقاليد حقيقية لإقامة هذه المهرجانات ، كما لانمتلك الخبرة اللازمة لإقامتها . فأمام هذا الفشل الذي يصاحب هذه المهرجانات السينمائية نقترح إعادة النظر بإقامتها ، وتقديم ورقة عمل يضعها المتخصصون وتوحيد الجهود من أجل إقامة مهرجان سينمائي واحد على الأقل على أن يكون مستوفياً للشروط المتعارف عليها للمهرجانات السينمائية، ولابأس من عدة مهرجانات متخصصة .. وسيكون كل ذلك مشروطاً بزيادة الانتاج السينمائي العراقي - وهذا ما يحتاج وقفة أخرى.
أن نعثر على مهرجان محلي واحد أو اثنين، يجعلنا نتفاءل في إقامة مهرجان سينمائي محترم.. والأمل في هذا المهرجان الذي نتمنى أن يعزز مسيرته ونجاحه من أجل دعم السينما العراقية.
كلاكيت: 3 دقائق 3 أيام
[post-views]
نشر في: 7 مارس, 2018: 06:59 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...