منذ العام 2009 وإلى اليوم ولسان الملح يندلع في شط العرب، ومنذ السنة تلك والحكومة تنشغل شهراً وتترك الأمر أحد عشر شهراً من كل عام، فهي غالباً ما تستخدم المعالجة إعلامياً، وتنافسيا بين أعضائها وأحزابها، أما التخطيط والفعل فلا أحد فيها يشغله هلاك ما تزرعه الناس ونفوق الحيوانات أو دخول الماء المالح الى البيوت عبر صنابير الإسالة، فهم في غيابة الاهتمام، وقد كتبنا في ذلك عشرات المرات، لكننا كمن ينفخ في قربة مثقوبة.
يستطيع جماعة من المواطنين تنظيف شارعهم، وقد يقبلون مجتمعين على إصلاح ماكنة أو تنظيم حملة تبرعات لمشروع خيري ما، فهذا مما يقدرون عليه، لكنهم سيظلون عاجزين عن مدِّ أسلاك الضغط العالي مثلاً، أو إقامة سدٍّ على شط العرب، قضايا مثل هذه تقع خارج طاقتهم بكل تأكيد وهم لا يملكون سوى المناشدة والمطالبة والضغط، وبما أن الحكومة عجزت عن إقامة السد في فترة قوتها السياسية والمالية لذا فهي عاجزة تماماً عن إقامته في الوقت الحاضر.
متوالية الشح في اطلاقات الماء، بل وأزمة الماء في العراق تزداد سنة بعد أخرى ولم تجد الأفكار المناسبة لحلها حتى اليوم، بل، لم يلمس الشعب موقفاً واضحاً في ذلك من الحكومة، ترى من يتحمل النفقات التي يبذلها المزارعون في الفاو وابي الخصيب وناحية شط العرب وفيهم من تسلف من المصرف الزراعي أو استدان من أحد، وهي مبالغ بملايين الدنانير؟ لماذا تعجز حكومة منتخبة عن حل أزمة مضى عليها قرابة عقد من الزمان، ولماذا لا يتدخل البرلمان في موضوع كهذا، وأين اللجان الزراعية فيه وفي مجالس المحافظات، القضية أكبر من أن تهمل او تدخل في صراع النخب السياسية، ما هكذا يا ناس.
أمامي، في غرفة مكتبي، بالبيت صورٌ كثيرة تحدثني عن واقع الري والزراعة في البصرة وفي العراق أيضاً، وكلها تتحدث عن وفرة غير طبيعية في الماء، أما مشاهد الأنهار والبساتين وغابات النخيل والفاكهة فهي مما لا يتصوره عقل اليوم. المؤلم، في التغيير الذي طرأ على الحياة أنَّ الاسماء هنا، ستفقد معانيها التي سميت بها ذات يوم، إذ من المعلوم أن الناس كانت تسمي البساتين وقطع الاراضي والطرقات المؤدية لها والأنهار والترع والانحناءات ووو تبعا لحركة الماء والوفرة في الزرع والطعوم التي عليها اشجارهم، وهنا لا اريد أن أتحدث طويلاً، فموضوع كهذا سيحملني الكثير من الورق، لكنني ساكتفي بذكر بعضها.
في قريتنا الصغيرة هناك بستان بـ 20 دونماً كان يسمّى (أم التفاح) لكثرة ما كان يزرع فيه من التفاح، وهناك نهر عريض اسمه (أبو قناطر) لكثرة القناطر والجسور عليه، وهناك بستان من 40 دونماً باسم(البحيرية) فهي محاطة من جهاتها بالماء، ومثلها (المظيليمة) لأنّ الشمس لا تدخلها بسبب ما فيها من نخل وفاكهة، وهناك نهر اسمه (باب الهوى) وقد اندرس اليوم، وبستان أسمه( بستان الزهو) لزهو وينع اشجاره وهكذا. وقرب بيتنا طريق مرتفع كان يسمى (المْدّاسَة) كانت تداس فيه بيادر الحنطة والشعير، هي اليوم طريق باسفلت وسخ، يا الله إلى أين ستمضي الناس بالجمال الذي كان؟
قناطر: أين نمضي بالجمال الذي كان؟
[post-views]
نشر في: 7 مارس, 2018: 07:38 م