adnan.h@almadapaper.net
ذهبت السَّكرة، لكن الفكرة لم تجئْ بعد .. والخوف ألّا تأتي أبداً، أو أن تأتي متأخرة جداً، فيعود العراقيون ليدفعوا ثمناً باهضاً ما عادوا يقوون عليه أبداً.
السّكرة هي سكرة النصر على داعش الذي يتبيّن الآن أنه لم يكن مؤزراً تماماً وليس مُكتملاً. داعش وسواه من التنظيمات الإرهابية تنبثق الآن من تحت الأرض وتستعيد نشاطها عند أطراف كركوك وفي مناطق جبال حمرين وعند الحدود مع سوريا، ولن يفاجِئنا ظهورها في مناطق أخرى حتى عند الحدود مع العاصمة بغداد التي ستظلّ هدفاً مفضّلاً للخلايا الإرهابية النائمة، مستغلة نوم بعض الأجهزة الأمنية المترتّب على فساد بعض عناصرها.
أمّا الفكرة التي لم تأتِ بعدُ، فهي فكرة تحصين الجبهة الداخلية وترسيخها بوحدة وطنية رصينة، فمذ بيان النصر الذي أعلنه رئيس الوزراء القائد العام في القوات المسلحة في كانون الأول الماضي، بل قبله، انصرف الرجل إلى معاقبة إقليم كردستان وشعبه عن استفتاء تقرير المصير في أيلول الماضي، الذي لم يكن مناسباً في توقيته، فيما ظلّ الفاسدون الذين زلزلوا كيان الدولة وزعزعزوا بنية المجتمع يعملون بكامل الحرية والاطمئنان. كما ركّز جهوده علىّ تأمين ولايته الثانية بتشكيل قائمة انتخابية لم تختلف في شكلها ومضمونها عن القوائم المتشكّلة منذ بدء العملية السياسية التحاصصية منتهية الصلاحية، بخلاف وعوده المتكرّرة، وهي القوائم التي تعلو فيها الاعتبارات المذهبية والحزبية على الاعتبارات الوطنية، ولم تُراعَ فيها التعهدات بالإصلاح السياسي والإداري ومكافحة الفساد.
وتُستكمل الآن حلقة الفكرة التي لم تجئْ بعدُ بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة الأخيرة التي تتجاوز أركان النظام السابق الذين كان يتعيّن حصر الإجراءات العقابية المستندة إلى القانون بهم ، لتشمل عدداً مبالغاً فيه من الاشخاص الذين يتبيّن أن عدداً غير قليل منهم ما كان في الأساس يتوجب أن تطولهم المساءلة والعدالة بصيغتها الحالية المُنتَقصة فيها العدالة.
داعش يستأنف نشاطاته الآن، ومعه تنظيمات إرهابيّة أخرى، وثمة بيئة مناسبة له في غياب الوحدة الوطنية الرصينة المستندة إلى قاعدة العدالة الاجتماعيّة والمساواة بين الناس، أفراداً وجماعات. من الخطر الاستهانة بخطر بقاء منظمات الإرهاب على قيد الحياة، ومن الخطر الإبقاء على العوامل السياسية والاجتماعية التي ساعدت قبل أربع سنوات على اجتياح داعش ثلث مساحة البلاد. الأمر يتطلب مقاربات أخرى غير المقاربات القائمة الآن.. بخلافه فإننا سنصحو ذات يوم لنجد أنّ الإرهاب يقف على الأبواب، حتى في بغداد!