في فيلمه الوثائقي الجديد (مرايا الشتات) يعود المخرج قاسم عبد الى موضوعه الأثير وهو المنفى ومعاناته، لكنه سيتناول في فيلمه هذا إثر الأعوام التي خلفتها سنوات الشتات على مجموعة من الحيوات قريبة منه واختارها بعناية وقصد في أماكن متفرقة من العالم.
واذا كان موضوع المنفى والشتات هو المهيمن على جميع الافلام الوثائقية للمخرج عبد، فانه وبانتباهة ذكية منه يعود لذات الموضوع في فيلمه الأول (وسط حقول الذرة الغريبة) الذي أخرجه قبل أكثر من ربع قرن، حيث يصور سبعة فنانين عراقيين في بقاع شتى من الأرض وهم جبر علوان، عفيفة لعيبي، كاظم الداخل، علي عساف، فؤاد عزيز، رسمي الخفاجي وبالدين أحمد، -بكاميرا 16 ملم استلفها من صديق- في سنواتهم الأولى من الغربة حيث مقاومة هذا البعد بالتكيف مع قسوته ومتاعبه يحدوهم الأمل في العودة الى أرضهم الأولى والعيش بحرية.. ليعود لهم في (مرايا الشتات) هم انفسهم وقد رسمت سنوات الشتات على وجوههم آثار الزمن وخضب رؤوسهم بياض التعب والخيبة، وطُعنت أرواحهم بسياط الغربة واليأس ... حتى اصبحوا ينشدون وطن آخر في المنفى، يصنعوه من محنة الانتظار المضني وتلاشي الأمل.
ومثلما استسلمت المدن لفوضاها وتمردت ناسها، حتى صارت مدن أخرى تتمرد على هويتها كما في (همس المدن)، ومثلما تجمعت قسوة الظروف زمن الدكتاتورية العائلة، لتفرقهم في زمن (الرخاء) لاسباب شتى كما في (حياة ما بعد السقوط). فنحن في مرايا الشتات أمام أربعين عاماً من غربة صعبة لأناس اصبحوا مع هذا الزمن يروضون معاناتهم هذه لتكون قدرهم في العيش بأرض ليس ارضهم ومع ناس ليسوا ناسهم.. فاختيار الشخصيات والتي جميعها تمتهن الرسم والنحت،.. بعد كانوا موزعين بحقول الذرة يبحثون عن مصيرهم ويقتاتون من تفاصيل المنفى ما يجعلهم أسيري لحظة النفي، نراهم بعد أكثر من ربع قرن قد تحرروا من عسف فكرة المنفى، حيث يتحدثون عن تفاصيل حياتهم وكأنهم جزءاً من المكان، وقد عمد المخرج وبشكل ذكي الى تضمين الفيلم لقطات من فيلمه السابق (وسط حقول الذرة الغريبة) ليظهر هذا الانتقال الزمني وليكتشف المشاهد الذي لم يتسن له مشاهدة الفيلم حجم التغييرالذي نال هذه الشخصيات، وكأننا نراقب حياة المخرج قاسم عبد الذي يعيش منذ أربعين عاماً المنفى أو الوطن البديل.
يأتي هذا الفيلم بعد عدد من الوثائقيات التي صنعها هذا المخرج المثابر (وسط حقول الذرة الغربية) ، (ناجي العلي) الذي أراد به المخرج أن يبحث في سؤال عن مقتل هذه الفنان الفلسطيني، وفي الشأن الفلسطيني نفسه يأتي فيلم (حاجر سروا) والذي يدور عن نقطة تفتيش إسرائيلية على الطريق بين رام الله و 50 قرية فلسطينية. وفيلم (حياة ما بعد السقوط) الذي وثق فيه زيارته الأولى الى بغداد بعد نفي استمر ربع قرن وكذلك فيلمه الوثائقي (همس المدن) الذي يتناول بأجزائه الثلاثة، ثلاثة مدن بقصص مختلفة، لكنها تلتقي حسياً وبصرياً .. مدن من الشرق الأوسط رصدتها كاميرا المخرج خلال اكثر من عشر سنوات .. أربيل، رام الله، بغداد.
فيلم (مرايا الشتات) الذي اتيحت لي فرصة مشاهدته بعرض خاص سيشارك في مهرجان مسقط السينمائي في المسابقة الرسمية من 26 الى 31 من هذا الشهر.
كلاكيت: مرايا الشتات حياة المنفى لسبعة فنانين
[post-views]
نشر في: 14 مارس, 2018: 06:36 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...